نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


هاف بوست عربي | عبد الكريم موسى - المغرب

30/12/2017

يستمر على المستوى الشعبي في المغرب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية ككل عام، في تقليد يهدف إلى الترسيخ أكثر في الأجيال الصاعدة.

لكن الاحتفال هذا العام في المغرب، يأتي في ظلِّ مطالب الحركة الأمازيغية بالخصوص، بجعل هذا الاحتفال رسمياً؛ أي جعل رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً ويوم عطلة مدفوع الأجر، على غرار ما تم في الجارة الجزائر قبل أيام.


جذور ثقافية.. واستعداد خاص

رغم عدم إقرار الحكومة رأس السنة الأمازيغية عيداً رسمياً حتى الآن، فأمازيغ المغرب يستعدون لأجل الاحتفال به، كما هو الحال بالنسبة لحفيظ آيت سليمان، الكاتب العام لجمعية "إزوران" (تعني الجذور بالأمازيغية) للثقافة والفن بمدينة أقا التابعة لإقليم طاطا جنوبي المغرب.

يحكي آيت سليمان، في حديثه لـ"هاف بوست عربي"، أنه "كلما اقترب موعد "إيض ناير" أو رأس السنة، يكون لجمعية إزوران للثقافة والفن استعداد خاص لهذه المناسبة".

فلا بد إذن من إحياء رأس السنة الأمازيغية "بشكل لائق يليق بحجم هذا الحدث التاريخي، ولما لها من قيمة ودور بالنسبة للأمازيغ والمغاربة وسكان شمال إفريقيا بصفة عامة"، يضيف الكاتب العام لجمعية إزوران.

غير أن الطقوس المعتمدة للاحتفال برأس السنة الأمازيغية، يوضح حفيظ آيت سليمان "تختلف من منطقة لأخرى بشمال إفريقيا"، لكن في منطقة أقا أو طاطا بصفة عامة جنوبي المغرب، فيُحتفى بهذه المناسبة "بأطباق من منتوجات المنطقة مثل "تاكلا"؛ وهي عصيد من خليط الدقيق والذرة والأرز"، وفي بعض المداشر بالمنطقة، وخاصة بمدشر تكاديرت، يتم الاحتفال بشكل شعبي بحضور النساء والرجال من كل الأعمار، ويتم توزيع أطباق تاكلا على الحاضرين".

لهذا فرأس السنة الأمازيغية، بحسب المصدر نفسه، يعد حدثاً بارزاً لدى الأمازيغ، "لارتباط هؤلاء بالأرض واحتفائهم بها، من خلال تلك الوجبات التي يتم تحضيرها في هذه المناسبة".


حركة نشيطة.. والمطالب مستمرة

إلى جانب هذا الاستعداد للاحتفال، يوجد في المغرب حركة نشيطة تطالب بجعل 12 يناير/كانون الثاني، من كل سنة يوماً رسمياً لرأس السنة الأمازيغية، وقد أطلقت عريضة على الإنترنت لجمع مليون توقيع، على أساس أن يتم توجيهها فيما بعد لمختلف المؤسسات والهيئات التي من شأنها أن تسهم في الاعتراف برأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً وعطلة رسمية بالمغرب.

وقبل أيام من الآن، وجَّه برلمانيون سؤالاً لوزير الوظيفة العمومية حول إقرار رأس السنة الأمازيغية عيداً رسمياً، فكان رد الوزير أنه "لدينا ما يكفي، فنحن لدينا دستور، وهناك إرساء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وكذا مشروع القانون التنظيمي لإدماج الأمازيغية في التعليم وفي الحياة العامة، الذي يُمكن أن يطرح هذه الفكرة، التي ترتبط بالتقويم التقليدي أكثر مما ترتبط بالسنة".






جواب الوزير المنتدب المكلف بالوظيفة العمومية، أثار عليه انتقادات حادّة من طرف نشطاء أمازيغ.

بهذا الخصوص يعتبر رشيد الحاحي، الباحث في الشأن الأمازيغي والفاعل الجمعوي، أن رد الوزير المنتدب في الإدارة العمومية "فضفاض ومحبط، ولا يناسب حجم المطلب والانتظار، ولا وضعية الأمازيغية بعد الإقرار بها كمكوّن في صلب الهوية الوطنية المغربية، وبعد أن صارت لغة رسمية للدولة في دستور 2011".

فبالإضافة إلى القانونين التنظيميين لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية اللذين طال انتظارهما بعد كل التأخير الحاصل، واللذين أثارهما الوزير واعتبرهما كافيين، فإن "الأمازيغية في حاجة إلى موعد للاحتفال الوطني، وأفضل مناسبة لذلك هي يوم فاتح السنة الأمازيغية، الموافق لـ12 يناير/كانون الثاني من كل سنة". يقول رشيد الحاحي، في تصريح لـهاف بوست عربي".

كما شدد الحاحي، صاحب كتاب "الأمازيغية والسلطة"، على أن الحركة الأمازيغية ستستمر في نضالها، "ولا شك أن الإقرار الرسمي بفاتح السنة حسب التقويم الأمازيغي، هو من المطالب الهامة التي ستتحقق، وكل تأخر في ذلك هو من باب قِصر النظر السياسي والعناد الأيديولوجي".


في الجارة الجزائر.. تتويج للنضال

أمام هذا "العناد الأيديولوجي" للحكومة المغربية، على حد وصف الناشط الأمازيغي، رحّب الأمازيغيون بقرار الجارة الجزائر التي اعتمدت بشكل رسمي فاتح السنة الأمازيغية عيداً وطنياً ويوم عطلة مؤدى عنه.

الناشط الأمازيغي، حفيظ آيت سليمان، اعتبرها "خيبة أمل لدى الحركة الأمازيغية بالمغرب، بالنظر إلى كونها السباقة للمطالبة بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية، من خلال وقفاتها وبياناتها"، مبرزاً أنه لا توجد لدى الحكومة المغربية "إرادة سياسية حقيقية، واحتقارها لهذه المناسبة التاريخية، علماً أنها تحيي ذلك الارتباط العميق بين المغاربة ودولتهم وشعورهم بالمواطنة الحقة".

بدوره، أكد الباحث في الشأن الأمازيغي، رشيد الحاحي، أن اعتماد فاتح السنة الأمازيغية أنه عيد وطني في الجزائر، هو من جهة تتويج لنضالات ومطالب الحركة الأمازيغية بالجزائر وبشمال إفريقيا والعالم، ومن جهة أخرى تأكيد على المشروعية الثقافية والعلمية والحقوقية للمطلب وللاحتفال".


السنة الأمازيغية.. احتفال بيئي مدني

يرتكز الاحتفال للسنة الأمازيغية، بحسب الحسين آيت باحسين، الباحث السابق بمركز الدراسات الأنثروبولوجية والسيوسيولوية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، على ما هو "مدني وبيئي يتقاسمه المغاربة، سواء منهم الناطقون بالأمازيغية أو غير الناطقين بها؛ كما يتقاسمونه مع مناطق أخرى من سكان شمال إفريقيا".

يوضح الحسين آيت باحسين، في حديثه لـ"هاف بوست عربي"، أن رأس السنة الأمازيغية يطلق عليه تسميات بحسب المناطق التي يتم فيها الاحتفال به؛ مثل "أسكّاس أماينو" (السنة الجديدة)، "ئنّاير الفلاحي"، "ئض ن ئنّاير" (ليلة ئنّاير)، "ئخف ن ئنّاير" (رأس السنة الأمازيغية)، "تاكّورت ن ؤسكّاس" (بداية السنة)، "حاكوزة"، "لحوادس" وغيرها من التسميات بحسب المناطق في المغرب وفي شمال إفريقيا.

بخصوص أصول الاحتفال بهذه المناسبة، "فهناك روايتان مختلفتان؛ الأولى تعتبر يناير رمزاً للاحتفال بالأرض والفلاحة عموماً، وتفاؤلاً بسنة خير وغلّة وفيرة على الفلاحين وعلى الناس عموماً. فيما تذهب الرواية الثانية إلى القول بأن الاحتفال يعتبر ذكرى لليوم الذي انتصر فيه الملك الأمازيغي "شاشناق" أو "شيشونق" على الفرعون المصري "رمسيس الثاني" في مصر"، يضيف الباحث السابق بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

لكن الحسين آيت باحسين، يستطرد بالقول: إن "الروايات التي تربط هذا الاحتفال بانتصار شيشونق على رمسيس الثاني، تجانب الحقيقة التاريخية لكون رمسيس توفي سنة 1213 ق.م، بينما شيشونق الأول اعتلى عرش مصر الفرعونية سنة 950 ق م".