نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

محرر القبس الإلكتروني 14 ديسمبر، 2017


أجرى الحوار جاسم عباس|

في فصل الشتاء تصبح الأشجار والنباتات عارية من خضرة الربيع والصيف، فكان كثير من الناس يستعدون لهذا الفصل الذي يبدأ في الكويت من شهر نوفمبر، ويستمر إلى منتصف فبراير، بتوفير الأخشاب قديماً وأدوات الوقود الأخرى، والبطانيات والبشوت. كان هذا الفصل مصدر شدة وقلق وضيق لمن يعيشون في بيوت متواضعة، وهناك عدد من الوسائل لمقاومة برد الشتاء من العطارين أو المأكولات السكرية أو الدهنية، وحتى الحيوانات تبقى في حظائرها، وكثير من الناس يقبلون على اطعامها من باب الرحمة والشفقة.

حدثنا سيد لياقت رضوي، يمتهن العطارة، ومضى على وجودة في الكويت أكثر من نصف قرن، مهنة أخذها من أبيه وجده، وما زال يمارسها، ويبدأ الآن مع ابنه، والعطار سيد لياقت ينصح بالابتعاد عن الهواء البارد والتيارات الرديئة والتدفئة الملوثة، والاهتمام بتوفير المواد اللازمة لمكافحة الشتاء، يقول: «أنا وغيري من العطارين نعرف الأعشاب وجذورها وايجابياتها، وهناك من يتساءل: لماذا كل هذا الجهد، وقد احتل الطب الحديث مكان الصدارة منذ أكثر من مئة عام؟

نقول لهؤلاء ولكل إنسان نظرة في حياته، وله تجربته، وهناك من يحذر وينبه بالابتعاد عن الأدوية الكيميائية، وكل ما أقوله ان الأعشاب والنباتات برزت واحتلت الصدارة في كل المؤتمرات والمحافل الدولية، وما زال الطلب على الطب الشعبي والعطارين يزداد، خاصة في الكويت ودول الخليج والهند وباكستان والصين، وأندونيسيا، وأغلب الدول الأوروبية.

قرن الغزال

قال سيد لياقت: الغزال معروف في الكويت بأنه حيوان مدلل، ومنه أنواع: الريم، العنود، المها، العدمي، الوضحي، كان الآباء، يشوون قرن الغزال ويقومون بطحنه بالهاون، حتى يصل إلى درجة «البودر»، توضع بوردة القرن داخل التمر بعد إزالة النوى (الطعام)، يؤكل في اليوم مرتين، له حرارة فائقة، وكلما اشتد البرد زادت حرارة الجسم، وحتى إذا وضع على الثلج يذوب بعد لحظات، ولا ضرر في التمر، وحتى عمال مخازن التبريد الذين يتعرّضون للبرودة الزائدة يأكلون التمر المحشي بقرن الغزال، يجدون أصابعهم تتحرّك والدفء في أجسامهم.

موبيز (كشمش)

وتحدث عن موبيز هو الكشمش منه الأسود والأحمر والعنقودي، ولكن الكشمش الموبيزي الطويل له مزايا علاجية، خاصة أيام البرد، ومقاوم لتقلّبات الطقس، وكذلك مفيد للروماتيزم، والتهاب المفاصل، وضد الخناق والارهاق ومليّن، وأيام المربعانية والسحتني وشدة البرودة عليك بتحميسة، ومن ثم نزع البذور من داخله ويؤكل، والباكستانيون يسمون هذا النوع «مفقة»، نوع من أنواع العنب واسمه العلمي ribes وحتى إذا تعرّض أي منا إلى سعال في فصل الشتاء بسبب البرد فعليك بتنقيع هذا الكشمش (الموبيز) فهو علاج له وللصدر، وهو ألطف من أي نوع آخر.

الحبة السوداء

وأضاف سيد لياقت: الحبة السوداء تساوي الفحم والكرم للتدفئة، وتسمى «شونيز أو شنيز، وتسمى «حبة البركة» من الحبة السوداء تزرع، ومنها حقلي في المزارع، فهي تستعمل كالتوابل، والمصريون يسمونها «المفتقة» للفطائر ومقوية ومنبهة ومعرّقة، عند أكلها تجد الجسم قد عرق من قوتها. والعطارون يسمونها باسم «القرطاس»، تضاف إلى الجبن في فلسطين، وتشفي آلام الصداع والزكام والعطاس.
وأضاف: نحن ـــ العطارين ـــ ننصح بإضافة الحبة السوداء مع بودرة الزعتر وزنجبيل ودارسين وورد جوز الطيب، بإضافة العسل، أفضل علاج للنزلات الصدرية، وغالباً توضع مع الخبز في الشتاء، ومع القهوة لتهدئة الأعصاب، والأوروبيون يأتوننا ويطلبون Nigella Sativa، ويصفونها بــ «دواء لكل داء».

الحلبة بوزن الذهب

وقال: روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قوله: «استشفوا بالحلبة»، والأطباء في الطب القديم والحديث ينصحون بنبات الحلبة، وهو من ثلاثمئة جنس من النبات، تؤكل الحلبة مطبوخة ومع العسل ضد الإمساك المزمن، وأمراض الصدر في الشتاء، وهي (الحلبة) تسمين للنحفاء، وتبعد البرودة عن الجسم، مصدرها مصر والهند، ومراكش، وقالوا: «لو علم الناس منافعها لاشتروها بوزنها ذهباً».

ماء اللحم

وتحدث عن مرق اللحم المسلوق أو طبخه بالماء فقط مع إضافة نسبة قليلة من الملح، ثم يوضع بالثلاجة حتى يظهر الدهن على سطح الماء، يزال الدهن ثم يشرب ساخناً، وشوربة اللحم لها خصائص ومجربة في مقاومة البرد منذ القديم، وإذا كنت في المناطق الباردة فعليك بشربه، خاصة لأهل الكد والتعب الشديد، وشوربة لحم العجل من أعدل الأغذية وأطيبها، وألذها، وأحمدها، انها تصلح لأصحاب الرياضة، وشوربة لحم الجمل تولد غذاء كثيراً حارّاً، وتزيد من شهوة الطعام وشهوة الجماع لقوتها، أضف مع ماء اللحم الفلفل والكمون والكراويا والخردل، والخل، وان ليتراً من المرق يعادل 40 غراماً من اللحم من الغذاء.

حلويات برج القوس

والتقينا أم جمال العلي، وهي في الثمانينات من عمرها، قالت: فصل الشتاء يبدأ عندنا في الكويت من أواخر شهر نوفمبر بدخول برج القوس حتى منتصف فبراير مع دخول برج الحوت، هذه الفترة فصل الشتاء، وبعض أيام هذا الفصل يسمى «المربعانية» بداية البرد، وبعضها «برد العيوز»، والبرد ينخل (الهواء بارد كأنه النخالة)، ويصاب الإنسان بكَفكَاف يرتعش من شدة البرد، وصكوعه من الصقيع أيام تزداد الحلويات في البيوت والدواوين، خاصة إذا شعر الناس بــ «سبره»، أي البرد الشديد، وفي أيام السحتني، شدة البرد يزداد الطلب على الرهش والحلوى، واليمدة درجة التجمد الكل يطلب الفحم الأسود الأفريقي، مع النمقلة أيام فصل الشتاء، لها أسماء منها: سميري، شمال يصرصر والجار جار والجله والأزرك ويسمى الإزيرج، وبرد يسمى (بياع الخبل عباته)، أي شعر بالدفء، قام ببيع بشته، وأيام البرد قادمة أكثر شدة، ظنه بأن الشتاء قد انتهى.

وأضافت: هذه أيام القوس كان يزداد الطلب على سعف وعرفي (عرفج) والكرم والحمض والكَرب والحطب واليلة، والآن ولله الحمد والشكر ظهرت الدفايات، ولكن توجد أكلات تعطي الطاقة ومقاومة للبرد، فكثير من الناس يتوجهون إلى الحلواجي، هو صانع الحلوى والحلويات الأخرى، ويسمى فصل الحلو، واشتهرت الكويت منذ القدم بصناعتها، خاصة في البيوت كانت الصواني تحمل على الرؤوس لتصل إلى المحلات لازدياد الطلب، خاصة «الحلوى» من السكر والماء والنشا والدهن العداني، بإضافة الهيل والزعفران ثم تفرغ في الصحون إلى السوق، وكذلك الرهش هو الحلوى الطحينية المصنوعة من السمسم والدبس (الشّيرة).

يقبل الناس في فصل الشتاء، وأغلب الدول العربية تصنع الرهش ولكن النوع الكويتي يتميز بالمذاق، وحتى من بعض المحال داخل الكويت يعرفون ذواقة الرهش ان هذا من محل فلان أو فلان، الرهش يصنع من الدبس (عصير التمر) والسكر والقدريكون من النحاس والوقود من القرم والعرفج تطبخ على نار هادئة وتضاف الهردة، وتطورت صناعة الرهش على أيدي مهرة تعلمت في بغداد منهم المرحوم الحاج علي تقي عبدالرحيم تعلم عام 1880م.

عاد ومعه الخبرة والفكرة، وقالت: ومن حلويات الشتاء «الزلابية» وأيضاً في شهر رمضان المبارك، وأنواع أخرى تطلب في أيام الشتاء كاللقيمات والبامية واليوامع التي تشبه «السمبوسك» الهندية، والغريبة من الدقيق والسمن والسكر، وأفضل أنواعها من طحين النخي (الحمص) والقشاط حكاكة الحلوى تكون في أسفل القدر، هذا النوع مرغوب بكثرة لوجود الدهن العداني فيه، وحلاوة الديك والدجاجة، والملبس دائماً متوافر في البيوت منه بالكازو، أو بالنخي، وكل هذه الحلويات طاقة وقوة ودفء لأن مكوناتها من الدهن الحيواني أو النباتي كان نادراً جداً وأرخص، ومن الدبس عصارة التمر الذي يسخن البدن، ووصف الأطباء الدبس أنه يحلل البلغم، وينفع من السعال والبرد والفالج ووجع المفاصل، وهناك مثل يقال:

«دِهْن ودِبِس» إذا مزجا كان إداماً شهياً، يضرب المثل للصديقين أو للأخوين يتفقان في كل شؤون الحياة فلا يختلفان في رأي ولا في عيش، والتمر نفسه يطلب في الشتاء لأنه منجم غني بالمعادن، ويعتبر فاكهة الشتاء الأولى وكنا نغمسه مع الهردة (السمسم المطحون)، وكنا نعتقد ان التمر لا يتسمم ويقاوم كل الأمراض «تمرة ما يضرها اللاحوس».

أم جمال: حلويات عربانة الصوري وقود للشتاء.
ــ ماء الورد وحبات الهيل مع السمسمية للدفء.
ــ حلاوة نارجيل والقبيط والكركري للمربعانية.
ــ بالرهش والحلوى نضع عقولنا جانباً.
ــ لا برودة ولا هموم ولا آلام مع السمسمية.
ــ في الشتاء فاكهتنا فصوص العقيق داخل قبة (الرمان).
ــ السيرج زيت السمسم دواء للحنجرة الملتهبة والبحة في الشتاء.
ــ الدبس مادة غذائية أكثر جودة وسخونة من دبس العنب والتين.

معمول الشتاء

وقالت أم جمال: كنا نعمل من التمر «بثيث» يطبخ مع الطحين والسمن، ورانكينة تمر وطحين من دون طبخ، ومعسل تمر ودبس وسمن من دون طبخ، وخبيص تمر وطحين وسمن يطبخ، وخلاصة تمر وزبدة أيضاً تطبخ، نكثر من هذا المعمول والمطبوخ من التمر لخشونة الصدر، وأكل التمر بالخبز أو الزبد حار للجسم ينسيك البرد والشتاء، وهو أغذى من جميع الفواكه.

وتذكرت أم جمال: بعض المشهّيات في فصل البرد، منها: فلفل معبوج بالثوم، والأجار (الطرشي)، ودقوس صبار وطماطم وشراب الدارسين، والمسمار وعرج الهيل، وحبة حلوة، وحبة البركة تفيد من النزلات الصدرية، والمسمار من أعواد القرنفل تسمى مسماراً تشبه المسمار العادي، من البهارات يطيب النهكة ويسخن الجسم ويقويه وطارد للانفلونزا وآلام الرأس، بسبب البرودة.

نصائح عطار

أبدى سيد لياقت مجموعة نصائح، منها:
ــ مشمش هندي (الآكي دنيا) منقوعة حار.
ــ البيض يشرب نياً لتحسين الصوت.
ــ لا يستغني الطبيب الشعبي عن زهرة الخبازة بالماء الحار، ومغلي أزهار البنفسج والتمر والتين، والزبيب في الشتاء.

ــ الصمغ العربي يُصنع منه محلول مائي لمعالجة النزلات الصدرية.
ــ تعليق الثوم في عنق الأطفال في الشتاء يدفع الحشرات عنهم، ويقلل البرودة.
ــ بذور الخردل للغرغرة مع ماء دافئ، وتغطس فيها الأقدام.

الحنين إلى الأيام الخوالي، يبقى الجامع المشترك بين الرعيل الأول ومن عاش في الكويت، في عصر ما قبل النفط أو في مرحلة الاستقلال وما بعدها، في هذا اللقاء رحلة مع الذكريات ومع الماضي، نغوص في ثناياه، فنبحث وننقب عنه، مع الذين عايشوه، تسجل لهم صفحات من عبق التاريخ؛ ففيه رسالة وعبرة للأجيال.



http://alqabas.com/475053/