نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

ناصر حامد أبوزيد

مدون مصري



01/11/2017

في عام 1922 تقدم موظف في مكتب تسجيل براءات الاختراع في ألمانيا اسمه "ألبرت أينشتاين" بثلاثة أبحاث قلبت موازين علم الفيزياء رأساً على عقب، وهزمت نظريات ظلت صامدة لمئات السنين بلمس الأكتاف.

وما زالت نظريته النسبية الخاصة والنسبية العامة صامدة منذ حوالي مائة سنة إلى الآن، ولا غنى عنها في تفسير الكون.

فبعد أن اعتقدت البشرية أنها قد اكتشفت كافة مصادر الطاقة (الرياح والبخار والكهرباء وغيرها)، جاء أينشتاين ليثبت أن هناك مصدراً للطاقة لم يكن معروفاً من قبل ألا وهو الطاقة المخزونة في الذرة، التي إذا تم شطرها سيتم إطلاق سراح طاقة هائلة مخزونة فيها.

كما فسر الضوء لأول مرة بأنه عبارة عن موجات كهرومغناطيسية، وأثبت أن الضوء هو أسرع شيء في الكون، ولا يمكن لأي كائن له كتلة أن يتجاوز سرعة الضوء، ولا يمكن حتى تسريع الضوء نفسه، بمعنى إذا وضعنا كشافاً كهربائياً على قطار سريع، وآخر ثابتاً في مكانه فإن سرعة الضوء على القطار لن تسبق سرعة الضوء الثابت، لأن سرعة الضوء مطلقة لا يمكن تجاوزها.

كما هزم نظرية الجاذبية لإسحاق نيوتن، فبينما قال نيوتن: إن الكواكب ترتبط بالجاذبية النابعة منها، أثبت أينشتاين أن تجاذب وارتباط الكواكب والنجوم يتم بسبب انحناء المكان الناتج عن وزنها، فلو تخيلنا أن الكون مثل شبكة صيد مستوية، وأن عليها مجموعة من الكرات المتساوية الوزن تمثل الكواكب، فإن الشبكة ستكون مستوية، ولكن إذا وضعنا كرة ثقيلة "تمثل الشمس" في موضع ما على الشبكة فإن ثقل الكرة سوف يتسبب في انحناء الشبكة إلى الأسفل، وبالتالي تتحرك الكرات الأخف باتجاه الكرة الأثقل، وتتحرك حولها بشكل دائري، وهذا فارق ضخم بين النظريتين، وللمزيد من التفاصيل اضغط على هذا الرابط.

وهو أول من استخدم الزمن كبعد رابع، بالإضافة إلى الأبعاد المعروفة (الطول، العرض، والارتفاع) وبناء على ذلك بنى معادلته الشهيرة (E=MC2) وتعني (الطاقة = الكتلة في مربع سرعة الضوء)، فلو افترضنا أننا سرنا في الفضاء بسرعة الضوء فإن الزمن سينحني "مثل المكان"، ولن تكون القيم ثابتة، ولكن ستكون قيماً نسبية، فمثلاً إذا قسنا مسافة متر على الأرض سنجد أنها تساوي 100 سم، بينما لو سرنا بسرعة الضوء وقسنا نفس المسافة سنجدها 80 سم "مثلاً"، ولو أن شخصين ولدا في نفس التاريخ؛ أحدهما عاش في الأرض، بينما الآخر سافر في الفضاء بسرعة الضوء، فإن عمر من عاش بالفضاء سينحني نسبياً عمن عاش على الأرض، بمعنى أن من عاش على الأرض قد يصل إلى الشيخوخة، بينما ما زال الآخر في ريعان الشباب.

ورغم أن البشرية لم تستطع الوصول حتى إلى 10% من سرعة الضوء، فإن نتائج أينشتاين ثابتة بالمعادلات الرياضية.

ويكفي أن نعرف أن النظرية النسبية لم يستطع فهمها في ذلك الوقت إلا ثلاثة علماء فقط، فتخيل عقلاً بشرياً يصل إلى نظرية مثبتة بالأدلة القاطعة لم يستطع فهمها إلا ثلاثة علماء، أي نوع من العقول تلك؟

ولكن كانت الحياة العلمية والمهنية لهذه العقلية الجبارة شيئاً، وحياته الاجتماعية مع زوجته شيئاً آخر تماما!

أحب أينشتاين زميلته في الجامعة "ميلفا ماريتش"، ورغم أنها كانت أكبر منه سناً، ومن أصول صربية، بينما هو ألماني الجنسية، فقد تزوجا في عام 1903م، وأنجبا ولدين.

على أنه بعد فترة من الزواج توترت العلاقة بينهما؛ حيث إنها كانت تتهمه بالفشل! وحجتها في ذلك أنه كان موظفاً في مكتب تسجيل براءات الاختراع، يقوم بتسجيل براءات الاختراع لغيره من العلماء، ولم يقم بأي إنجازات لنفسه، وكان دخله بالكاد يكفي نفقاته ونفقات أبحاثه ولم يوفر لها حياة الرفاهية التي كانت تحلم بها ولم يستطع أن يوفر لها "خادمة".

وفي العام 1919م تم الطلاق على أن تحصل ميلفا ماريتش على مبلغ ضخم كتعويض للطلاق، ولم يكن بإمكانه أن يدفع هذا المبلغ، وأصبح مديناً بذلك المبلغ، وتزوج أينشتاين بأخرى في نفس العام.

وبعد ثلاث سنوات فقط وفي العام 1922م، نشر أبحاثه وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء، ورغم أن هذه الجائزة فخر لكل عالم في حد ذاتها، ولكن مع الجائزة حصل أيضاً على مبلغ نقدي ضخم.

بالطبع استولت زوجته الأولى ميلفا على المال مقابل تعويض الطلاق، وقالت له بالبلدي: "كفاية عليك الشهادة، ابقى علقها على الحيطة".

وهكذا سافرت بالمال والأولاد إلى سويسرا؛ حيث اشترت ثلاثة عقارات في مدينة زيورخ، أقامت في واحد واستثمرت الاثنين الآخرين، وظنت أنها أخيراً حصلت على حياة الرفاهية التي طالما تمنتها.

إلا أنه في عام 1930م مرض ابنهما إدوارد مرضاً شديداً، واضطرت ميلفا إلى بيع المنزلين لتسديد نفقات العلاج، واضطرت لإعادة المنزل الثالث إلى أينشتاين، حتى لا تقوم البنوك بالحجز عليه، على أن يرسل لها دخل المنزل لمجابهة نفقاتها.

وتوفيت ميلفا في عام 1948م، فلا هي حصلت على حياة الرفاهية التي حلمت بها، ولا شرف كونها زوجة لأعظم عالم فيزياء على مدى التاريخ.

نستخلص من هذه القصة عدة دروس:

1- احرص على القيمة وليس المال، فالمال ثمرة وليس هدفاً. وهو نتيجة طبيعية للنجاح وليس العكس.

2- قد تنجح ويخلد اسمك في التاريخ ولا تحصل على المال مثلما حدث مع أينشتاين "في بدايته"، وقد تحصل على المال ولا تحصل على النجاح، مثلما حدث مع زوجته التي لم يسمع أحد عنها بعد ذلك.

3- الأنانية تؤدي إلى الفشل وخسارة كل شيء، فيجب أن يكون هدفك تحقيق القيمة وليس المجد الشخصي، حتى لو كانت ثمرة تحقيق الهدف ذي القيمة الإنسانية ستذهب لشخص آخر، فيتوجب عليك إنكار الذات وتكتفي بشرف المساهمة، فرغم أن زوجة أينشتاين كانت زميلته في الجامعة، إلا أنه لم يثبت أنها قد ساهمت معه إسهاماً يذكر في أبحاثه، فلربما لو فعلت لكانت قد نالت شرف المساهمة في هذا الإنجاز البشري الضخم، ولا شك أن ذلك بسبب أنانيتها.

4- يجب ان تؤمن بإمكانياتك ولا تتنازل عن هدفك مهما بلغت بك الضغوط، فمقدار نجاحك يكون بمقدار ما تتحمله من الضغوط التي تقع على رأسك.

- المصادر:

1- Space and Time Warps

2- General Relativity Experiments


3- ميلفا ماريك

4- اكتشاف موجات الجاذبية التي تنبأ بها أينشتاين قبل 100 سنة



http://www.huffpostarabi.com/nasser-...m_hp_ref=arabi