عبدالله خلف


2013/04/25

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


هو عبدالسلام بن رغبان، غلب عليه لقب (ديك الجن) وهو من سُليمة في سورية، ولد في مدينة حمص في سنة 161هـ وتوفي في 236 هـ.
ذكره ابن خلكان في «وفيات الأعيان» والاصفهاني في كتاب «الأغاني»، عاصر أبا تمام وأبا نواس، يُحكى أن أبا تمام وفد عليه ديك الجن فأدرك أدبه وذكاءه وحُسن قريحته، فعرض على أبي تمام شعره وشاع بعد ذلك شعره في العراق والحجاز ومصر.. فذهب إليه أبو نواس، وطرق عليه الباب فاختفى منه تهيباً وأبلغ الجارية أن تقول له إنه ليس في الدار.. فقال لها أبو نواس بصوت مرتفع لكي يسمعه، قولي له أخرج فقد قتلت أهل العراق بقولك:
مُورَّدة من كف ظبي كأنما
تناولها من خده فأدارها
فلما سمع ديك الجن خرج إليه واجتمع به.. والبيت من جملة أبيات قالها هي:
بها غير معدول فداو خمارها
وصل بحبالات الغبوق ابتكارها
ونل من عظيم الوزر كل عظيمة
إذا ذكرت خاف الحفيظان نارها
وقم أنت فاحثث كأسها غير صاغر
ولا تسق إلا خمرها وعُقارها
فقام تكاد الكأس تحرق كفه
من الشمس أو من وجنتيه استعارها
ظللنا بأيدينا نتعتع روحها
فتأخذ من أقدامنا الراح نارها
موردة من كف ظبي كأنما
تناولها من خده فأدارها
واشتهر ديك الجن بأشعار المجون ويحكى أنه كان لديك الجن جارية يهواها اسمها دُنيا فاتهمها بغلام له فقتلها معه، ثم ندم على ذلك اشد الندم لما علم ببراءتها فقال فيها:
يا طلعة طلع الحمام عليها
وجنى لها ثمر الردى بيديها
رويت من دمها الثرى ولطالما
روى الهوى شفتي من شفتيها
مكنت سيفي من مجال وشاحها
ومدامعي تجري على خديها
فو حق نعليها وما وطئ الثرى
شيء أعز علي من نعليها
ما كان قتليها لأني لم أكن
أبكي إذا سقط الغبار عليها
لكن بخلت على سواي بحبها
وأنفت من نظر الغلام إليها
وذكر صاحب الأغاني أن ديك الجن كان يهوى جارية مدة من الزمان ثم عرض عليها الزواج فتزوجها وكان اسمها ورداً ومن شعره فيها:
أنظر إلى شمس القصور وبدرها
وإلى خزاماها وبهجة زهرها
لم تبك عينك أبيضا في أسود
جمع الجمال كوجهها في شعرها
وردية الوجنات يختبراسمها
من ريقها ما لايحيط بخبرها
وتمايلت فضحكت من أردافها
عجبا ولكني بكيت لخصرها
تسقيك كأس مدامة من كفها
وردية ومدامة من ثغرها
وقال صاحب «الكشكول» العاملي إن ديك الجن قتل جاريته دنيا مع الغلام.. وأحرق جسدهما، وخلط رمادهما بطين وصنع منه كوزين، وعند جلوسه للشرب يضع واحداً على يمينه والآخر على شماله ويشرب منهما ويقبلهما وينشد:
وقتلته وبه علي كرامة
فله الحشى وله الفؤاد بأسره
عهدي به ميتا كأحسن نائم
والحزن يفسح أدمعي في جحره
وجاء في الأغاني شعر فيه بكاؤه على جاريته دنيا:
ويعذلني السفيه على بكائي
كأني مبتلى بالحزن وحدي
يقول قتلتها سفها وجهلا
وتبكيها بكاء ليس يجدي
كذباح الطيور له انتحاب
عليها وهو يذبحها بجد
وذكر صاحب كتاب (نثار الأزهار) جمال الدين الخزرجي أن سبب تسميته بديك الجن أنه قد رأى دياً قد ذبحه عمرو بن عُمير فأولم عليه واشتهر الشاعر بهذا الرثاء حتى عُرف به هكذا «ديك الجن»:
دعانا أبو عمرو عمير بن جعفر
على لحم ديك دعوة بعد موعد
فقدم ديكا عد دهرا مدملجاً
مبرنس أبيات مؤذن مسجد
يحدثنا عن قوم هود وصالح
وأعزب من لاقاه ع مرو بن مرثد
وقال: لقد سبحت دهرا مهللا
وأسهرت بالتأذين أعين هجدا
أيذبح بين المسلمين مؤذن
مقيم على دين النبي محمد
فقلت له: يا ديك إنك صادق
وإنك فيما قلت غير مفند
ولا ذنب للأضياف أن نالك الردى
فإن المنايا للديوك بمرصد
هذا هو الشاعر ديك الجن الذي عُرف بمجونه وظرفه، وكان صورة واضحة لعصره في العهد العباسي الأول حيث كان الثراء واللهو وكثرة الجواري والغلمان وأسواق النخاسة في بغداد ومعظم المدن العراقية وفي مدن الحجاز.