نشر في 12, April 2012


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



غالباً ما يكون المتذمّرون غير راضين، فبرأيهم أنّ الآخرين مزعجون، ويتعمّدون إلحاق الأذى بهم. لكن غالباً، لا يكون لهؤلاء «الآخرين» أي نية سيئة، إلا أنهم يُواجَهون بردّات فعل غريبة من المتذمّرين (صراخ، وبكاء، وتنكّر، وتهديد، وتوعّد…) تزيد من حدّة تذمّرهم. وفي أغلب الأحيان يرى هؤلاء «الآخرين» عدائية المتذمّرين من دون أن يفهموا الأسباب وراءها. فما هو التذمّر؟ ما هي أسبابه؟ وكيف السبيل إلى الإقلاع عن هذه العادة السيئة؟

التذمّر هو التعبير عن الاستياء والسخط وعدم الرضا، ويتجلّى في التأفف والاشتكاء واللوم، وقد يتطوّر إلى التوتّر والبكاء والصراخ.
يتذمّر الإنسان بمعدّل 15 إلى 30 مرّة يومياً، ويصبح الأمر مزعجاً وغير محتمل بالنسبة إلى الأشخاص المحيطين، كما بالنسبة إلى المتذمر نفسه. فالتذمّر يصيب صاحبه بالكبت والحزن والتعب… فما السبيل إلى التخلّص منه؟
أحياناً، يكون المتذمّر بحاجة إلى التعبير عن ألم أو عن حزن يشعر به، لكن غالباً، يتذمّر طيلة اليوم من دون أن ينتبه إلى ذلك حتى. يتذمّر المتذمّر ويشكو إلى أصدقائه وأقاربه وجيرانه من دون أن يكون لذلك أي أثر في حلّ ما يشكو منه، ذلك بدلاً من التعبير بالكلام عن استيائه مما يزعجه.
الأسباب وراء التذمّر متعدّدة. نتذمّر أحياناً إذا كنا بحاجة إلى مساعدة بدلاً من طلب المساعدة بشكل واضح وصريح، ونتذمّر أحياناً أخرى كي يشكل سبب تذمّرنا موضوع نقاش، وتارةً نتذمّر لنتشارك مآسينا مع الغير، وطوراً كي نكسب أصدقاءَ من حولنا.
نعتمد التذمّر غالباً وسيلةً لكسر حاجز الصمت مع الأشخاص الذين لا نعرفهم، فنجد أنفسنا نتذمّر من حال الطقس، أو من تأخّر الطائرة أو ما شابه ذلك من مواضيع يمكن مناقشتها مع الغرباء. أحياناً، نتذمّر بهدف التسلية والضحك. فمن السهل لفت النظر عندما نتذمّر! وعندما نتذمّر في رسالة نوجّهها إلى شركة أو هيئة أو سلطة، أو جريدة، فيكون ذلك نابعاً من القناعة بأنّ التذمّر هو الخطوة الأولى نحو التغيير.
وقد يُعتمَد التذمّر كسياسةٍ لجمع أكبر عدد من الأشخاص من حولنا، وللتأثير على رأيهم بشكلٍ أو بآخر، وهذه حال رجال السياسة خصوصاً.
وقد يكون التذمّر أحياناً ناتجاً من عدم قدرتنا على التغيير، فعندما نجد أنفسنا في مأزق لا نرى له أي حل، نلعب دور الضحية ونبدأ البحث عن أي أحد أو شيء نلقي اللوم عليه، بدلاً من حل المشكلة وتحمّل المسؤولية.
عموماً، يتذمّر المتذمّرون من دون أن يدركوا ذلك، لأنهم اعتادوا التذمّر كوسيلة للتواصل مع الآخرين، حتّى إنهم باتوا لا يدركون إلى أي حد يتذمّرون، وإلى أي حد يؤثّر ذلك سلباً على حياتهم.

النصائح للحد منه
متى أصبح التذمّر عادةً مترسخةً، بات من الصعب التخلّص منه. لكن الكاتبة الفرنسية كريستين لويكي تقدّم في كتابها «جاريت دو رالي» (أقلعت عن التذمّر) تحدّياً للإقلاع عن التذمّر في غضون 21 يوماً. وهي تدعوكم في كتابها إلى إزالة الكبت والحزن والتعب الذي يسبّبه التذمّر عن كاهلكم، والتنعّم بالراحة والهدوء والهناء.
يقتضي هذا التحدّي المرور بأربع مراحل تتجلّى في قبول التحدّي أولاً، ثمّ إدراك التحدي، ولمس نتائجه الإيجابية الأولى وصولاً إلى ترسيخ هذه النتائج.
يُشار إلى أنّ لويكي كاتبة فرنسية مقيمة في لوس أنجليس، وهي مؤسسة ومديرة جمعية «أو كوتشينغ»، وأستاذة محاضرة متخصّصة في مجال التطوير النفسي. ولا يقتصر قاصدو كريستين على القارة الأميركية بل يتعدَّونها إلى آسيا وأوروبا. وفي أبريل من عام 2010، أطلقت الموقع الإلكتروني www.jarretederaler.com..
تتساءل كريستين في كتابها حول سبب الحاجة إلى الإقلاع عن التذمّر، وتجيب: «عندما يتذمّر الإنسان، يصبح الأمر مزعجاً وغير محتمل بالنسبة إلى الأشخاص المحيطين به، كما إلى نفسه. فالتذمّر يصيب صاحبه بالكبت والحزن والتعب، الأمر الذي يؤدّي إلى تلوّث حياته، خصوصاً وأنّ هذا التذمّر عقيم ولا يأتي بأي حل.
في الواقع، يستلزم الإقلاع عن عادة معيّنة حوالى 21 إلى 28 يوماً متتالياً. إذاً يقتضي هذا التحدي التوقّف عن التذمّر لأحد وعشرين يوماً متتالياً، والسبيل إلى ذلك هو التكرار، والصبر والعزم والإصرار.

تقترح لويكي استخدام سوار تضعونه في معصمكم، وتمضون يومكم بشكل طبيعي، وكلما لاحظتم أنكم بدأتم بالتذمّر تنقلون السوار إلى المعصم الآخر وتعيدون العدّ مجدداً. والهدف الأساسي من السوار هو تذكيركم بالتحدّي ولفت انتباهكم إلى تذمّركم. لا يستلزم هذا التحدي بأي شكل من الأشكال أن تكون حياتكم مثالية خالية من المشاكل والمصاعب، فالمطلوب هو مواجهة المشاكل والتعبير عن الاستياء منها من دون تذمّر.

بالرجوع إلى مراحل التحدّي الأربع، إليكم نظرة إلى كل واحدة منها:

المرحلة الأولى، قبول التحدي: الاعتراف بمشكلة التذمّر واتخاذ قرارٍ بالإقلاع عنها أمرٌ بالغ الأهمية، لا سيما أن هذا الاعتراف ناتج من ملاحظة التذمّر وإدراك أنكم تتذمّرون، الأمر الذي لا يدركه معظم المتذمّرين. لن يكون الأمر سهلاً في الأيام الأولى وستلاحظون أنّ السوار سيتنقّل كثيراً من معصم إلى آخر، وأنكم ستعيدون العدّ مراراً وتكراراً.

المرحلة الثانية، إدراك التحدي: في هذه المرحلة، سيستمرّ السوار في التنقل من معصم إلى آخر، لكنّ الفرق أنكم بدأتم تدركون إلى أي حد تتذمّرون. وفي حين يسهل الاستسلام والتخلي عن فكرة التحدي، يصعب البحث عن طريقة أخرى للتعبير عن حاجاتكم والأمور التي تزعجكم، وهنا يكمن الخطر الأكبر في هذه المرحلة.
المرحلة الثالثة، لمس النتائج الإيجابية الأولى: في هذه المرحلة، ستلاحظون مرور 3 إلى 10 أيام دون أن تضطروا إلى نقل السوار من معصم إلى آخر. بالتالي، ستدركون أنه من الممكن الإقلاع عن هذه العادة السيئة.
المرحلة الرابعة، ترسيخ النتائج الإيجابية: يتحوّل التحدي إلى طبيعتكم الأخرى، فلا تعودون تتعمّدون التوقف عن التذمّر بهدف التحدي بل يحدث ذلك بشكل طبيعي وعفوي لأن التذمّر لم يعد من خصالكم. ولا يمكن بلوغ هذه المرحلة إلا بعد مرور 21 يوماً متتالياً من دون تذمّر.
التذمّر رد فعل طبيعي لا يحتاج إلى أي مجهود، أما الإقلاع عنه فيتطلّب تفكيراً ومجهوداً نفسياً وعقلياً، ولا ضير في بذل جهد صغير مقابل جني حصاد وفير. وبين الحياة الهنيئة والحياة المليئة بالنكد والتذمّر يبقى الخيار خياركم!