جعفر بهبهاني.. فارس ترجّل

كتب فتوح الدلالي : القبس

سهل ان تكتب عن انسان يعمل تحت الأضواء، فكل تاريخه مدون وتتناقله الألسن.. لكن، صعب جدا ان تكتب عن انسان يعمل بصمت وبلا تباهٍ.. هذا هو فارسنا الذي ترجل باكرا، هذا هو الدكتور جعفر بهبهاني.
من أين أبدأ الكتابة عنك؟ هل من الجانب الأبوي الرائع في شخصيتك، حيث كنت أبا لكل اطفال المحيطين بك من أهل واصدقاء وزملاء عمل، كنت الأب الثاني لأولادي (وتشاركني في ذلك الكثيرات)، حيث أول الألعاب منك، وكنت مستشارنا في التربية وفي الدراسة، نلجأ اليك عندما تصادفنا اي مشكلة، وبمساعدتك وضعتهم على الطريق القويم وباتوا من خيرة شباب الكويت في كل المجالات. أم أكتب عن الجانب العلمي وعن ابحاثك ودراساتك التي سخرتها في خدمة الكويت حتى وصلت الى درجة ان تحاضر في كبرى الجامعات مثل هارفرد وييل؟
دعني أسطر شذرات عما أعرفه عنك، لأن مثلك كانت لا تعرف يساره ما تفعله يمينه.
في عام 1992، ذهب د. بشير الرشيدي الى الولايات المتحدة، وذلك للمساعدة في تأسيس مكتب الانماء الاجتماعي.. فقالوا له اذهب الى د. جعفر بهبهاني فهو من كبار المتخصصين في P.T.S.P‍. اضطرابات ما بعد الصدمات.
وضعت كل خبرتك مع زملائك في تأسيس هذا الصرح، وعملت بجد حتى أواخر ايام حياتك، تعطي المحاضرات وتجلب الدورات (دورة العلاج الأسري، العلاج السلوكي، علاج الطفل والعلاج الادراكي)، وكان هدفك رفع مستوى المعالجين النفسيين في الكويت ووضعهم في مصاف المعالجين في اميركا، كونها الرائدة في هذا المجال.. وكونك شخصا متخصصا يحظى بسمعة عالمية استطعت بعلاقاتك مع جامعة هارفرد ان تعمل على ترجمة «دليل التشخيص الاحصائي للصحة النفسية» الصادر عن الجمعية الاميركية للطب النفسي، وقد استغرق هذا العمل سنوات.
وكان لديك مشروعك الحلم الذي بدأته عام 2005، وهو تطبيق نظرية الاختيار في مدارس وزارة التربية في الكويت، والذي يعتمد في جزء من النظرية على التركيز على مدارس الجودة او ما يسمى مدارس بلا فشل.
ومشروع حلمك الآخر هو مركز للعلاج النفسي يقدم خدمة مميزة للشعب الكويتي، وان كنت منذ سنوات تمارس هذا العمل يوميا بمجهودك الشخصي، فوفق ما يعلم كل المحيطين بك انه لم يلجأ اليك انسان لديه مشكلة نفسية الا وقدمت له العون.. نفوس بالمئات تنعم الآن بالطمأنينة والاستقرار، وكل ذلك بفضلك انت.
«لا يوجد احد بمهنيته» جملة ترددت وسمعتها من كل المحيطين بك.. حبك للعمل وتحت كل الظروف وتحت كل الضغوط كنت مثالا يحتذى.
وهل انسى دورك الكبير في تأسيس مركز الرقعي بعد التحرير مباشرة؟ وذلك لمعالجة الآثار النفسية الناجمة عن الغزو، حيث كانت لديك عيادة تعالج فيها المتضررين بلا مقابل مادي، اضافة الى اعطاء الدورات في اساليب رعاية الوالدين لابنائهم المتأثرين بالغزو، وكذلك دورك مع لجنة الاسرى، ومركز تقويم الطفل.
وكيف ننسى حركة Free Kuwait التي اسستها مع زملائك في لندن خلال الغزو، والدور الكبير الذي قمت به لخدمة القضية الكويتية؟ أتذكر وصولك الى الكويت في الأيام الأولى من التحرير بطائرة عسكرية محملة بالأغذية.
وماذا عن دورك مع مجموعة كاتش، إذ كنت احد المؤسسين لهذا العمل التطوعي غير المسبوق في عالمنا العربي، وعملت مستشارا ومحاضرا في الجانب النفسي للعاملين في كاتش وفي تنظيم المؤتمرات والاستشارات، ويكفيك فخرا انك استطعت ان تضع برنامجا لتخريج اختصاصيات نفسيات من خلال دبلوم Life Child لمدة عام الحقته بكلية الطب في جامعة الكويت، وحتى «بيت عبدالله» كنت معهم في كل تفاصيله، لكن للأسف سوف يفتح، ويا لسخرية القدر، من دونك.
هذا غيض من فيض مما قدمه الدكتور جعفر بهبهاني.. شغلك ايها الغالي علمك وابحاثك وانجازاتك عن ابسط مطالب الحياة تكوين اسرة، وعندما كنا نلح عليك بالسؤال كنت تقول: لا وقت عندي لدي عمل كثير.. ليتك فعلت.
ارقد ايها العزيز الغالي بسلام، بينما تنفطر قلوبنا حسرة ولوعة على فراقك، قلوب اهلك واحبائك وتلامذتك وزملائك ومن أخذت بأيديهم للوصول الى بر الأمان.
ملاحظة‍:
بعثت جامعة هارفرد اثنين من اساتذتها للمشاركة في مجلس العزاء للسيدات والرجال، وذلك تكريما وتقديرا لمكانة د. جعفر بهبهاني.

فتوح حمد الدلالي