الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتّقوا الله وواجهوا الموقف من موقع واحد، وفي موقف واحد، ولا سيّما إذا تعرّضت مقدّساتكم للانتهاك والعدوان من قبل أعداء الله والذين يساعدونهم والذين هم في خط أعدائه، واجهوا الموقف ليعرف العالم أن المسلمين يدافعون عن مقدّساتهم التي أراد الله لهم أن يحفظوها ويرعوها وأن يمنعوا كل عدوان عليها.
ونحن في الوقت الذي تهتز الأرض من تحت أقدامنا من خلال ما يتحرك به الاستكبار العالمي وعملاؤه، والاستكبار الأمريكي وحلفاؤه، للضغط على الواقع الإسلامي كله بانتهاك كلِّ الحرمات؛ حرمة الإنسان الذي جعل الله حرمته أعظم من حرمة الكعبة، وحرمة المقدّسات: القدس، مكة، المدينة، والنجف الأشرف، وهذا ما نواجهه في هذا اليوم والنجف الأشرف ليست مجرد محافظة من محافظات العراق، ولا مجرَّد الصحن الحيدري الشريف؛ النجف أرض مقدّسة، فيها الجسد الطاهر لعليّ (ع)، وفي مقبرة وادي السلام أجساد المؤمنين من أكثر من ألف سنة، والنجف هي الحوزة العلمية التي بلغ عمرها أكثر من ألف سنة.
لذلك عندما نجد الطائرات الأمريكية والمدافع والصواريخ تقصفها بعنوان مساعدة السلطة العراقية لتطبيق القانون، نجد أنه لا بد أن يرتفع الصوت عالياً، لأننا إذا سكتنا عن انتهاك مقدّساتنا، فإنه لن يبقى هناك حرمة لأيّ مقدس، فتعالوا لنتابع الموقف في كل جوانبه السياسية والواقعية:
حرب النجف لخدمة الانتخابات الأمريكية:
العراق يغرق في نهر الدم من جديد، بالقصف الأمريكي بالطائرات المتطوّرة والمدافع والصواريخ على المدنيين من جهة، وعلى الرافضين للاحتلال المغطّى بالغطاء الرسمي العراقي من جهة أخرى، وضد أقدس أرض في العراق، وهي النجف الأشرف، التي تحتضن مرقد الإمام عليّ (ع)، ومقبرة وادي السلام التي تضمّ أجساد المؤمنين منذ أكثر من ألف سنة، والحوزة العلمية التي تجاوز عمرها الألف، كل ذلك بحجة فرض القانون!!
إننا لسنا مع الفوضى في هذه المدينة المقدّسة التي يقصدها الزوّار من المؤمنين من سائر أقطار العالم، ولسنا مع اللاقانون في العلاقات العامة والخاصة لأوضاعها، ولكن لا بد من دراسة خلفيات الأحداث التي أدّت إلى التعقيدات الصعبة الحاضرة، وإلى الاستفزازات الأمريكية لأكثر من واقع أمني مثير للجدل...
ثم، هل إن المرحلة التي يمرُّ بها العراق في الوقت الحاضر تسمح باللجوء إلى العنف من قِبَل الحكومة المؤقتة؟ وهل تملك فرض إرادتها بالقوة التي لن تكون قوة عراقية بل هي قوة دولية بقيادة أمريكية يجد فيها الشعب العراقي امتداداً للاحتلال حتى لو تغطّى بغطاء سيادي لا واقع له؟ ولماذا لم تأخذ هذه السلطة الدرس من النظام الطاغي الذي قصف النجف الأشرف واعتدى على مرقد الإمام عليّ (ع) من دون احترام لقداسته؟ وهل تريد أن تكون الفريق الآخر الذي يتولى القصف من جديد بأيدٍ أمريكية؟ وكيف مُنِحَت قوات الاحتلال الحق في قصف أيّ مكان في المدينة المقدّسة بما يؤدي امتداده إلى المرقد المقدّس بشكل مقصود أو غير مقصود؟
إنَّ المسلمين في العالم قد تحرَّكوا ضد تهديد اليهود للمسجد الأقصى، فكيف لا يثورون الآن ضد التهديد الأمريكي والعراقي الرسمي لمقام الإمام عليّ (ع)؟ إن الشعب العراقي يجد في هذه الرخصة الرسمية لقصف النجف ومقدّساتها ضغطاً أمريكياً لمواجهة التيار الرافض للاحتلال لخدمة انتخابات الرئاسة الأمريكية لمصلحة الرئيس الأمريكي الحالي... إن المسألة ليست مسألة معالجة لحالة غير قانونية بالقوة، ولكنها مسألة تهديد لكلِّ الأصوات الحرّة الاستقلالية، حتى يستسلم الشعب كله للمحتل، ويخضع الناخبون في المستقبل لإرادة التصويت للشخصيات الخاضعة له...
حرمة التعاون مع الاحتلال
إننا ندعو الشعب العراقي والشعوب العربية والإسلامية إلى الوقوف مع النجف الأشرف ضد كل الهجوم الأمريكي على قداستها وانتهاك حرمتها، ليعرف الاحتلال أنّه لا يملك أية حرية في اجتياح المقدّسات، ولتعرف السلطة أنّها لا تملك إعطاء الرخصة للاحتلال، لأن الشعب يريدها أن تعالج الأمور بالحكمة والوسائل السلمية والحوار الموضوعي الذي يتناسب مع المصالح العامة له... كما نحذّر الجميع من ثورة إسلامية عربية تأكل الأخضر واليابس إذا امتدَّت الجريمة إلى حرمة القداسة على صعيد الأرض والناس...
إننا نريد للنجف الأشرف أن تكون مدينة السلام، وإننا ـ من موقعنا الشرعي ومسؤوليتنا الإسلامية الشرعية ـ نفتي بحرمة التعاون بأية طريقة مع كل الذين يمارسون الجريمة في انتهاك حرمات هذه المدينة المقدّسة... وندعو كل الفعاليات للتحرك من أجل إيقاف هذا النزف الدموي، لأن السكوت الحيادي هو كما فسّره ضابط أمريكي لصحيفة الـ"واشنطن بوست"، "ضوء أخضر لنا لنفعل ما يتوجّب علينا فعله"، على حدّ قوله.. ثم تعلّق الصحيفة بأن التفسير الرسمي "يثير ابتسامة القادة الميدانيين الأمريكيين"، فهل يجوز أن يبقى هذا الصمت المخزي؟!
أمريكا قائدة الشرّ والإرهاب:
أما فلسطين، فإن قوات الاحتلال تواصل توغَّلها وانتهاكها للمدن والمخيمات والأحياء الفلسطينية، وزراعة الموت والدمار في أحياء غزة والضفة، حيث تقتل الأطفال والمسنّين في كل يوم من دون أن يثير ذلك حفيظة الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية الذي سارع إلى إدانة عملية التفجير التي استهدفت جنود الاحتلال في القدس، قائلاً: "إن هذا يؤكد مجدداً الحاجة لأن تتخذ القيادة الفلسطينية خطوات فورية وجديرة بالثقة لإنهاء الإرهاب والعنف"، على حدّ قولـه.. ومعنى ذلك أن الحاجة ليست ماسة عند واشنطن لدعوة إسرائيل إلى وقف مجازرها وإرهابها وحركة العنف في ممارساتها الوحشية، لأن ما يجوز لإسرائيل من العنف لتأكيد احتلالها لا يجوز ـ عند أمريكا ـ للفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم... إنها أمريكا قائدة الشر والإرهاب في العالم.
13-8-2004م
المفضلات