الشيخ عساكر لمفتي «رضاعة الكبير»: هل تقبل أن تُرضع امرأتك رجلاً بالغاً؟
علماء الازهر يهاجمون الفتوى ويصفونها بالانحلال والافتراء على أمهات المؤمنين
القاهرة - من بهاء جمال الدين
الفتوى نائمة، لكن الفتنة يقظة جدا، فقد شهدت مصر أسبوعا من صخب الفتاوى المثيرة للجدل بعضها يتعلق ببركة شرب البول ومكرمة ختان الإناث، وتحريم لعب الأتاري، كما ورد في كتاب «الدين والحياة... الفتاوي المصرية اليومية» لمفتي مصر الدكتور علي جمعة، وبعضها وصل إلى حد تفجير معركة كبرى حول اباحة رضاعة الكبير، بحيث يمكن للموظف أن يرضع مباشرة من ثدي زميلته في العمل، خاصة وأن هذه الرضاعة لا تتيح له الشبع فقط، بل تبيح لها أيضا أن تكشف شعرها ووجهها أمامه باعتبار المرضعة لم تعد عورة، بل والأهم من ذلك أنه يمكن أن يتزوجها على عكس اخوة الرضاعة في الصغر.
العجيب أن فتوى رضاعة الكبير ليست جديدة، لكنها قديمة، وأن طلبة جامعة الأزهر يدرسونها منذ سنوات حيث يتضمنها كتاب «دفع الشبهات عن السنة النبوية» للدكتور عبدالمهدي عبدالقادر عبدالهادي أستاذ الحديث في كلية أصول الدين والذي يقوم بتدريسه لطلاب الفرقة الثالثة ويوجد على أرفف المعرض الدائم بالجامعة برقم إيداع 3622/2001 280 صفحة من القطع الكبير.
ففي الصفحة رقم 79 يقدم لنا عبدالمهدي حديثا عن الرسول «ص» يصفه بأنه صحيح، يسعد الأسر، ويقوي المجتمع.
أما نص الحديث فهو «لولا حواء لم تخن أنثى زوجها» ويؤكد أن الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبوداود.
ما سبق مسائل لا تقارن بالمصيبة الكبرى التي جاءت في الصفحة 97 في باب «حديث رضاعة الكبير»... ولنقرأ نص ما جاء في كتاب عبدالمهدي الذي يدرس لطلاب الأزهر الشريف: «من الصحابة المشهورين سالم مولى أبي حذيفة. كان رضي الله عنه عبدا يباع ويشترى، لا يعرف نسبه. كان عبدا لثبيته بنت يعار الأنصارية، إحدى زوجات الصحابي المشهور أبي حذيفة، قيس بن عتبة بن ربيعة، فأعتقته، ولم تجعل ولاءه لأحد، وإنما قالت له: وال من شئت، فوالى أبا حذيفة، وتبناه أبوحذيفة، فكان يقال له: سالم ابن أبي حذيفة...
كان سالم هذا يعيش في بيت أبي حذيفة كواحد منهم، مع الأولاد والزوجات... فلما نزلت الآية التي تمنع التبني، وتأمر بنسبة الأولاد إلى آبائهم من النسب إن عرفوا، وإلا فهم إخوة في الدين (سورة الأحزاب الآية 4 و5)». أحدثت حرجا لأبي حذيفة ولزوجاته وأولاده، فذهبت إحدى زوجاته وهي سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأخبرته القصة، وأنهم كانوا يعاملون سالما كابن لهم، فقال لها رسول الله «أرضعيه، حتى يكون ابنك من الرضاع»، فتساءلت: «إنه كبير» فأكد الرسول: «ارضعيه يحرم عليك. فأرضعته وأخذ بذلك حكم الابن، فقد صار ابنها من الرضاع».
وإذا انتقلنا إلى الصفحة رقم 99 من الكتاب نجد «ان الرضاعة لا يشترط أن تكون بالتقام الثدي... إن الرضاعة ليست السبيل الوحيد لها مص الثدي... وإنما الرضاعة تكون بتناول اللبن بأي سبيل، فيمكن أن يحلب اللبن في إناء، ويشربه الإنسان فيصير ابنا من الرضاع».
وفي الصفحة 150 من الكتاب نفسه يقول المؤلف عبدالمهدي: «الراضع لابد وأن يكون في حضن المرضعة. لأن مذهب الظاهرية يحتم التقام الثدي».
هل من حق الراضع الكبير أن يمسك ثدي المرضعة كما يفعل الطفل؟.
إذا لم يشبع الراضع الكبير من الرضعة فهل تحسب مرة أم تعاد.؟.
وهل يمكن لنساء رجال الأعمال أن يأخذن بهذه الفتوى ويرضعن السائق والطباخ والسفرجي وعامل الحديقة والترزي الذي يحضر للمنزل وأطباء العلاج الطبيعي وغير الطبيعي؟
الكاتب الشيخ عبدالفتاح عساكر أكد «أن رواية رضاعة الكبير حديث آحاد ومُؤلف» وأن علماء الحديث من أهل السُنة مثل الذهبي، والنووي ورضى الدين الحنفي وغيرهم «أجمعوا على أن خبر الآحاد لا يفيد علما يقينا ولا عقيدة».
المشكلة أن الفتوى النائمة على أرفف مكتبة الأزهر تجددت وأيدها رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين الدكتور عزت عطية الذي أعلنها في برنامج تلفزيوني ولم يتراجع عنها حيث قال: «إنني عالم من علماء الدين وكلامي هو فتوى شرعية، ولو أردت عرض ما أقوله على مجمع البحوث الاسلامية لكان ذلك قبل إذاعة البرنامج والنشر أما بعد ذلك فكلامي معروض أمام الجميع، ورأيي صحيح لأنه يستند إلى دليل، وإذا كان لمجمع البحوث رأي آخر معارض لرأيي سيكون اختلافا في الرأي والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية واختلاف العلماء رحمة ويمكن أن اتراجع عن رأيي بشرط اقتناعي وقوة الدليل».
وعندما سئل عن تفجير قضية إرضاع الكبير في الوقت الذي تعاني فيه الأمة الاسلامية من مشاكل وكوارث أكبر في العراق وفلسطين قال عطية: «أنا لم أحول ارضاع الكبير إلى قضية ولكنني أوضح حكماً شرعاً ورد في السنة النبوية وهو ثبوت إرضاع الكبير لإباحة الدخول والخلوة بين رجل وامرأة ليس بينهما صلة قرابة النسب ولا صلة الإرضاع في حال الصغر قبل الفطام بشرط أن تكون الخلوة لضرورة دينية أو دنيوية».
وأوضح عطية أن فتوى ارضاع الكبير «تحل مشكلة الخلوة بين رجل وامرأة في العمل، فالخلوة هي إغلاق باب الحجرة على رجل وامرأة وعدم إمكانية رؤية من في داخل المكان بأي وسيلة مثل مدير العمل والسكرتيرة وإنارة اللمبة الحمراء على باب الغرفة بحيث لا يستطيع أحد رؤية ما يحدث في الداخل كذلك الخادمة التي تضطرها الظروف للإقامة في منزل به رجال ويغلق عليهم الباب... فالخلوة بين رجل وامرأة ليس بينهما قرابة حرام لاثارة الريبة والشك ولا يلزم من الخلوة الاتصال الجنسي بل التمكن منه، وبذلك يضع إرضاع الكبير حلا لهذه المشكلة لأن حماية الأعراض من المقاصد الأصيلة للشريعة ويبنى عليها كثير من الأحكام».
وفي تساؤل استنكاري وجه الكاتب الشيخ عبدالفتاح عساكر كلامه إلى الدكتور عبدالمهدي قائلا: «هل تقبل أن تُرضع امرأتك أو ابنتك أو أختك رجلا بالغا؟».
وقال الدكتور محمود عاشور وكيل الأزهر السابق إن حديث رضاعة الكبير «مدسوس ويصادم صريح القرآن والأدب السامي الذي هو عماد الإسلام، ويجعل الزوج إذا رضع من زوجته تكون محرمة عليه، وكثير من الرجال يداعبون زوجاتهم بالتقام الثدي».
وتؤكد الدكتورة أمنة نصير عميدة كلية الدراسات الإسلامية أن الإسلام «ليس قصا ولصقا ولابد من أن احترم عقلي وعقيدتي فما العائد من إرضاع الكبير».
ويقول الدكتور عبدالله أبوعبد وكيل وزارة الأوقاف السابق أن هذه الأحاديث «فاقد لمصداقيته لأنها تعارض القرآن والسنة والعقل الصريح فهل يقبل عقل أو اجماع أو سنة متواترة أن أمهات المؤمنين أو نساء المسلمين يقمن بكشف صدورهن وإبراز أثدائهن لإرضاع الكبار من الرجال ممن يرغبن في دخولهم عليهن»!
ويرى الدكتور عبدالله سلامة نصر أستاذ الحديث أنه «إذا انتشرت الفاحشة في أمة كانت نهايتها المحتومة الضياع والفقر والمرض. وأن حديث رضاعة الكبير موضوع فيه سب وإهانة لزوجات الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأمهات المؤمنين وافتراء، فكيف يأمر بإرضاع رجل كبير من امرأة تكشف له عن ثديها لتصبح محرمة عليه ليباح له أن ينظرها ويراها بعد الرضاعة، إنها فتنة مؤداها الزنا كما هو واضح لكل ذي عقل راجح».
المفضلات