--------------------------------------------------------------------------------
فحوزة قم المقدسة الآن تشّع بالمعارف العميقة و النظريات الجديدة في كل المجالات، و تحوي الحوزة على أكثر من 15 جامعة للدراست العليا و ما يعادل 500 مؤسسة علمية، و هناك مؤسسات تهتم بالإعمال الآلي، و هناك معاهد لدراسة اللّغات الأجنبة.
فيمكن لي الجزم كل الجزم بأنّ حوزة قم المقدسة هي أكبر حوزة للدراسات الدينية على مستوى كل العالم و لا يجاريها في هذا المجال لا معاهد الفاتيكان في روما و لا معهد باريس الكاتوليكي و لا الأزهر في مصر و لا مؤسسة أُخَر في أية منطقة في العالم، و هذا الذي أقوله حقيقة يقرّ بها كل من زار قم المقدسة و شاهد مؤسساتها عن قرب.
فيكفي هذه الحوزة فخراً أنّها المدرسة الوحيدة التي تُدرَّسُ فيها الفلسفة الإسلامية بمدارسها الأربعة: 1. حكمة المشاء، 2. حكمة الإشراق، 3. الحكمة الإيمانية،و 3. الحكمة المتعالية، و العالم كله ما زال يتصور أن الفلسفة الإسلامية قد انتهت مع وفاة فيلسوف قرطبة ابن رشد، و يكفيها فخراً أيضاً أنّها الحوزة الوحيدة في العالم التي يُدرَّسُ فيها العرفان النظري يُدرَّسُ فيها فصوص الحكم للشيخ محي الدين ابن عربي، و يكفيها فخراً أنّ الإجتهاد الفقهي و الأصولي ما زال مستمراً و بقوة لا نظيرة لها. و أمّا الدراسات القرآنية من التفسير الموضوعي إلى التفسير الترتيبي فالحمد لله هناك دراسات عميقة و قيمة بخاصة ما يطرحه الشيج جوادي آملي ( دام ظله ) من دراسات و بحوث عميقة في هذا المجال. و ما يميّز حوزة قم المقدسة عن باقي المدارس الدينية في العالم الإسلامي هو الحرية الفكرية في طرح الآراء و النظريات ( سنشير في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى إلى النظريات العلمية العميقة التي تطرح في الحوزة و ذلك في مجالات متعددة من فلسفة و فقهية و أصولية و تفسيرية و كلامية و عرفاينة و ... )، ففي الحوزة لا قداسة لشخص من الأشخاص و لا لفكرة من الأفكار في مجال العلم و المعرفة، نعم: القداسة في الأخلاق و احترام شخص الأستاذ هذا مسلّم و هذا من أخلاقيات الإسلام و الإنسانية، أمّا في مجال الأخذ و الرد المعرفيين فلا قداسة لشيء من الأشياء، فكل ما يطرح من نظريات أو آراء يخضع للنقاش الشديد و يمحّص تمحيصاً علمياً بما لا مزيد عليه. و هذا الذي جعل مذهبنَا قوي الحجة و متين الطرح لا يمكن للغير أن يصمد أمامه. فعلى الشيعي أن يفتخر بمدارسه و حوزاته العلمية و ليطمئن قلبه أنّ حوزته قادرة على مجابهة أية فكرة جديدة و لا تخاف أيّ جديد في مجال الفكر و المعرفة.

--------------------------------------------------------------------------------
الآن الحوزة العلمية بقم المقدسة منفتحة انفاتحاً كبيراً على الفكر الغربي، لكن – كما يقول الأساتذة في قم – انفتاح الحوزة على الفكر الغربي انفتاح فعلي ( تأثيري ) أي أنّه انفتاح يؤثِر تأثيراً إيجابياً على تطور الحوزة في مجال تخصّصها، على خلاف ما يحدث في المدارس السنية و العلمانية و غيرها فإنّ انفتاح هؤلاء انفتاح إنفعالي ( خضوعي ) انعكس سلبياً على ثقافة الأمة مع الأسف الشديد.
أردت من خلال هذه الكلمات القليلة الإشارة إلى مكونات هذه المدرسة الشيعية العظيمة حتى يعرِفَ الشعي الموالي ماذا وراءه من ركائز علمية و معرفية و من أين يستمد غذاءه المعرفي و حتى يعرِفَ أيضاً قوة مدارسنا و حوزاتنا العلمية، مما يزيده عزة و فخراً بمذهبه و انتمائه العَقَدي. و أخوكم الفقير إلى الله تعالى درس ما يعادل 14 سنة في هذه المدرسة العظيمة و نهل من هذا النبع الزلال علوماً لا توجد و لن توجد في غير حوزاتنا المباركة و أشكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة و الله وليّ التوفيق.

--------------------------------------------------------------------------------

أهمية مسألة الإمامة و الخلافة
بعد صلاة المغرب أسرعت إلى زيارة أبي النور فوجدته سبقني إلى الموعد. سلّمت عليه، فسارع إلى استقبالي بفرح و سرور، قال لي متبسِماً: أعلم أنّكم تجمعون بين صلاة المغرب و العشاء و أنّ رسول الله كان يجمع بين الصلاتين من حينٍ إلى آخر، لكن المشهور الآن بيننا هو عدم الجمع بين الصلاتين. الآن: لا نتعرّض لهذه المسألة، عفواً.
1. أبو النّور: لماذا تتناولون، في حوزاتكم العلمية و جامعاتكم، مسألة الإمامة و الخلافة؟ مع أنّنا اليوم في حاجة ماسّة إلى الوحدة الإسلامية و العمل على إيجاد الأخوة بين المسلمين أكثر من كل فترة سبقت؟*
الجواب: أشكرك على هذه المساءلة القيمية التي أثرتها. لا شك أنّ حفظ وحدة الأمة و رعاية أصول الأخوة الإسلامية بين أفراد الأمة الواحدة أمر ضروري لا يمكن لنا تجنبه، وبهذا نكون: 1. "يَدُ واحدة" أمام العدو، 2. أمة راقية و رأسها مرفوع أمام الأمم الأُخَر، متمتعة بالإكتفاء الذاتي في كل الجوانب، مستقلة استقلالاً واقعياً. 3. تحكمها على مستوى شؤونها الداخية روابط المحبة و الرحمة و الوفاء. و بالتالي لا يصح طرح هذه الموضوعات في كل موضع و في كل فرصة تتاح لنا، و هكذا نسد الطريق أمام العدو الذي يتحيّن الفرص دائماً لإيجاد الفرقة بين أفراد الأمة و تمزيق أواصرها و تفكيك لحمتها. لأنّ طرح هذه المسائل و المواضيع يحتاج إلى مُناخ مناسب و مجال خاص حتى تُقيَّمَ و تُعالجَ بعيداً عن كل تعصب و حساسية مفرطة. و لا شك أنّ المؤسسات العلمية و الثقافية هي المكان الملائم لطرح أمثال هذه المسائل. و الحمد الله بصفتي مدرِساً للمعارف الإسلامية من مدة طويلة في جامعات بلادي أتعامل مع الطلاب ( شيعة و سنة ) فيما يتصل بذه المسائل بعيداً عن كل ما يثير الشغب و الفوضى الفكرية، و لم نر في طرحنا لمسألة الإمامة في دروسنا أية نتيجة عكسية و غير مرضية.
بطبيعة الحال: إنّ إثارة أمثال هذه المسائل يتطلب من الشخص أن يكون صدرُه رحباً و واسعاً و أن يكون واعياً ما فيه الكفاية و أن يكون محيطاً إحاطة علمية شاملة بالحقائق و المعارف الإسلامية. و لا ننسى أنّ مسألة الخلافة كانت و لا تزال أهم ما طرح و ما يطرح في مجتمعنا الإسلامي في جميع أطواره و مراحله.
و لا يخفى على أحد أهمية دراسة مسألة الخلافة، يقول الشهرستاني صاحب كتاب "الملل و النحل":"و أعظم الخلاف بين الأمة خلاف الإمامة؛ إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان". و بالتالي: يجب علينا دراسة أمثال هذه المسائل الأساسية في مراكزِنا العلمية بطريقة ودية و أخوية؛ و ذلك لغايتين: الأولى: حتى يلتفت الفريقان إلى أمثال هذه المسائل الشائكة، الثانية: و حتى لا نعطي للعدو الفرصة لإثارة الفتنة بين المسلمين.