--------------------------------------------------------------------------------
* الشيخ فضيل:
بعيداً عن السائل أخينا المحترم أبي النور الذي قال: أسأل حتى أحصل على الجواب فقط، و هذا من حقه الكامل. بعيداً عن السائل: هل هذا الطرح معقول في حد ذاته أم لا؟ المخالف دائماً يأتي بهذا الكلام الذي لا يمكن لأحد ينتمي إلى دائرة الإسلام العامة أن ينكره. من ينكر الوحدة بين المسلمين و قيمتها السياسية و غير السياسية؟! لكننا نقول: الوحدة ثمرة عملية تتجلى في الساحة السياسية و غير السياسية من ثقافية و غيرها، ترتكز على أساس عقَدَي لا شك في ذلك. حينها من حقنا هذا السؤال: ما هو هذا الأساس العَقَدي؟ من شقّ الأمة إلى شقين أليست مسألة الإمامة؟! جماعة تقول: وظيفة تعيين الإمام ( قائد الأمة ) يقع على عاتق الأمة على أساس عملية الإنتخاب، و هذا الذي حدث في السقيفة، و جماعة و هي من سارت في خط أهل البيت (عليهم السلام) تقول: إنّ تعيين الإمام وظيفة الله تعالى و لا دخل للأمة في هذا الأمر مطلقاً، و هذا ما حدث في غدير خم. فالوحدة بين المسليمن في نظر المخالِف لا تتم إلاّ إذا نسينا و تناسينا هذه المسألة الخطيرة.
و نحن نقول: إذا جئنا لنوحِّد بين المسلمين في حيثية هي التي شققتهم إلى فرقتين فعملنا هذا يشبه من يحاول أن يداوي المريض بالبرد بسقيه الماء البارد. ما أريد أن أقوله هو: إذا حاولنا أن نوحِّدَ بين المسلمين بعيداً عن مسألة الخلافة معنى هذا أنّنا نطالب من الطرف الثاني أن يتنازل عن مسألة ( الإمامة ) التي يراها تمثل لباب الدين و أسّه الذي يقوم عليه. فعملية غض الطرف عن هذه المسألة الشائكة و التساهل في أمرها هو – في تصورنا – تبرير لما قام به من تسبب في هذه الفرقة و سعى في هضم حق الغير. و هذه الفعلة لا أسميها وحدة، بل أسميها تنازلاً لصالح المخالف.
من حقك أن تسأل: ما هو العمل حينئذٍ؟ أجيبك قائلاً: الحل الوحيد لوحدة الأمة هو تعرية مسائل التاريخ و كشف خفاياه للأمة و وضع كل الحقائق أمام النّاس في جوٍ من المحبة و الودّ الكامل و في مراكز علمية متخصصة بعيداً عن كل تأثير خارجي سياسي أو غير سياسي ، و على الأمة أن تتحمل مسؤوليتها آنذاك. أمّا أن نأتي و نغطي على أعمال أرتكبت بإسم الأمة ( الإجماع المزعوم ) أدت إلى تمزيق الأمة في عقيدتها و شوكتها فهذا منطق النعامة التي تضع رأسها في الرمل و تترك جثتها مكشوفة فتقع صَيْداً للآخرين.
فالسؤال، في تصورنا، لا أساس له من الصحة. فطرح الإشكالية بهذه الكيفية معناه: أيها الإمامية تخلوا عن معتقدكم الأساس ( مسألة الإمامة ) و لنكن يداً واحدة ضد العدو. أيُّ يدٍ هذه التي نقف بها ضد العدو، اليد التي شتتت الأمة في الماضي. و هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أني ضد الوحدة الإسلامية، بل الوحدة الإسلامية تشكل استراتجية لا يمكن لنا التخلي عنها و يجب علينا العمل على أساسها مهما كلفنا ذلك من مشاق و صعوبات. لكن لنحاول تأسيسها على أصول متينة قوية لا تخدم طرفاً معيناً من الأمة يرى نفسه هو المحور الذي تدور عليه أمور الأمة، بل نحاول أن نبنيها على أصول تخدم الأمة كافة بحيث تشعر كل جماعة بوجودها و كيانها في دائرة الإسلام العامة، و لا تعيش حيف الإقصاء بالتكفير و الإحاءات المجرِّحة و ما شابه ذلك من آليات غير متحضرة. حينها نكون قلباً واحداً و نكون حقاً يداً واحدة ضد العدو.

--------------------------------------------------------------------------------

2. أبو النّور: هل يشكّل الإعتقاد بوجود الإمام و تأسيس النظام السياسي الإسلامي، في رؤيتكم السياسية و العَقَدَية، ضرورة من الضروريات أم لا؟
الجواب: أقول لك بدون مبالغة أنّ الإهتمام بالعقائد السياسية أمر ضروري في مذهبنا. الإنسان المسلم يختلف من هذه الحيثية عن سائر النّاس؛ فإنّه مكلَّف في حياته أن يبحث عن هذه الحقيقة و هي:"من هو القائد الذي تقع على عاتقه الأمور الدينية و الإجتماعية؟" كما قال النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ):{ من مات و لم يعرِف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية }[ 8 ]. و هذا الحديث الشريف معتبر و مشهور تقرّ به جميع المذاهب الإسلامية، و يتمتع بموقع خاص في مجامعنا الحديثية و الكلامية و في تاريخنا الإسلامي، و ينطوي على بلاغ خطير و إرشادات مهمة هي:
1. يجب على كل مسلم أن يعرِف أمام زمانه و قائده السياسي و العَقَدي؛ لانّ حاكمية الله تعالى تتحقق في المجتمع في ضوء حاكمية خلفاء الحق.
2. الإمام المعصوم موجود بين النّاس في كل العصور و الأزمنة، شأنه في ذلك شأن القرآن الكريم الذي له حضور عيني ( واقعي ) في المجتمع، و النّاس مُكَلفون بالرجوع إليه و العمل على مقتضى هديّه. فكذلك الإمام المعصوم و خليفة الله متواجد بين النّاس فيتعيّن عليهم متابعته عليه السلام. و بَدْهِيٌّ أنّه كما أنّ القرآن الكريم حجة إلهية فمصداق العترة الطاهرة بصفته إمامَ عصرِه حجة إلهية كذلك.
3. و في عصر الغيبة الكبرى التي أخفى الله تعالى فيه وليَّه الحجة عليه السلام لمصلحة إلهية في البين [ لا نعلم بأسرارها كاملاً ]، يجب معرفة نوابه و الوسائط بينه و بين المجتمع و العمل على إتباعهم. و هذا ما يشير إليه توقيعه المبارك:{ وأمّا الحوادثُ الواقعةُ فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجتي عليكم و أنا حجةُ الله عليهم }[ 9 ].
أبو النّور: أريد منكم لو توضّحوا هذه المسألة العَقَدية أكثر؟
قلت له: أشكرك على أنّك لا تصغي إلى ما أطرحه على شخصك الشريف من مطالب فحسب، بل أراك تريد المزيد منها. نعم: نحن الإمامية نعتقد أنّ الأرض لا تخلو أبداً من وجود الإمام، كما يشير إلى ذلك الإمام الصادق عليه السلام:{ لو بقيت الأرضُ بغيرِ أمامٍ ساعةً لساخت }[ 10 ]. و ليس عبثاً أن يذكِّر النبي الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) أصحابه دائماً قائلاً:{ من أحبَّ أن يَركِبَ سفينة النجاة و يتمسك بالعروة الوثقى و يعتصم بحبل الله المتين فليوال عليّاً و ليعاد عدوّه و ليأتمَّ بالأئمة الهداة من وُلْدِه }[ 11 ].
فبالنظر إلى النُقَاطِ المثارةِ فوق نسأل: أليس طرح مسألة الإمامة و الخلافة في المراكز العلمية و بخاصة بين الشباب أمراً ضرورياً؟ أليس طرح هذه المسألة في مقابل ما يثيره الأعداء - طبقاً لهواهم - من مسائل متعلقة بالإمامة أمراً ضرورياً؟ ألا يُعَدُّ التساهل في هذا الأمر خيانة؟ يجب عليّ أن أذكِّرك بهذه النقطة و هي أنّ أصل ضرورة وجود الإمام عليه السلام لا ينكره أحد، و موردُ الخلاف هو من له الصلاحية أن ينصّب الخليفة؟ هل الله تعالى هو الذي ينصّبه أم هي وظيفة يضطلع بها النّاس: أهل الحل و العقد؟ و إلى هذه النُقطة أشار أحدُ مشاهير أهل السنة ( سعد التفتازاني ) في كتابه "شرح العقائد النسفية":"الإجماع أنّ نصب الإمام واجبٌ و إنّما الخلاف في أنّه يجب على الله أو على الخَلق"[12 ].
في تلك الأثناء نظر أبو النّور إلى ساعته و قال: نتوقف بمقدار ما أؤدي صلاة العشاء ثم إن شاء الله بعد الصلاة نستأنف الحوار حتى أستفيد من حضرتكم. افترقنا و قلوبنا عامرة بالمحبة.
كيفية انتخاب قائد الأمة ( الخليفة ) في الرؤية الإسلامية:
بعد مدة زرت أبا النور في المكان المحدد، كان - في ما يبدو- مسروراً جداً، و هو في هذه الحالة قال لي: يبدو إنّي أزعجتكم كثيراً، و ذلك لأنّي أنا الذي يسأل فقط و أنتم الذين تجيبون، و هذا يتعبكم. لا يمكن لي أن أستضيفكم – هنا – حتى أقدّم لكم شيئاً نرفع به الملل. قلت له: أنا كذلك أعتذر لك، أمَلُ أن أستضيفكم في فندقنا بمكةَ المكرمة و المدينة.
طرح أبو النور، مع الاعتذار، ما كان يجول في ذهنه الشريف:
3. أبو النّور: في نظركم: الحكومة الإسلامية من أيّ نوع من أنواع الحكومات هي؟ إنتخابية أم إنتصابية؟ و من أين تكتسب مشروعيتها؟*
الجواب: كلنا يعلم ما هي أنواع الحكومات، هناك حكومة ملكية تتمثل في حاكمية الفرد الواحد على الجماعة، و هناك حكومة جمهورية تقوم على الديمقراطية أي حاكمية الشعب على الشعب، و عندنا الحكومة الإلهية التي تختلف في جوهرها عن النوعين السابقين. و باعتبار أنّ دار الوجود و ما تنطوي عليه من موجودات ( بما فيها الإنسان ) ملك الله تعالى، فيجب أن يكون قانون الله تعالى هو الحاكم على دار الوجود، و بالتالي فالله تعالى هو الذي يجعل خليفة له ( النبيّ ) يقع على عاتقه تطبيقُ القانون الإلهي. و السبل التي بها يعرِفُ النّاس هذا الخليفة متعددة منها المعجزة أو التنصيص عليه من طرف الخليفة السابق عليه و المرتبة العلمية العالية التي يتمتع بها هذا الخليفة و أخلاقه السامية. و هذه السنة الإلهية أي حاكمية الله تعالى على الإنسان تحققت من زمان آدم عليه السلام إلى انقراض العالم و سوف تتحقق بواسطة المعصوم وفقاً لمثلث الهداية: 1. النبي، 2. الرسول و 3. الإمام.
و هذه السنة الإلهية سارية من آدم إلى الخاتم ( عليهما السلام ) و من الخاتم إلى فناء الدنيا، فلم تخل الأرض من وجود قائد معصوم و لن تخلوَ من ذلك أبداً. و النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) نصّب بأمر الله تعالى في صحراء غدير خم أميرَ المؤمنين عليّا عليه السلام خليفة له في أمته، و في الواقع قد عرَّف للنّاس ( أفراد الأمة ) من أختاره الله تعالى و اصطفاه لهذا المنصب العظيم و المبارك. و أمير المؤمنين عرّف الإمام الحسن عليه السلام بأمر الله تعالى، و هكذا إلى زمان غيبة إمام الزمان الحجّة بن الحسن ( عجّل الله تعالى فرجه الشريف ). و في زمان الغيبة الصغرى نصّب الإمام عليه السلام "النواب الأربعة" و جعلهم وسائط بينه و بين الأمة، و بهذا التنصيب [ المشروعية ] أعطاهم الحاكمية الظاهرية. و في الغيبة الكبرى نصّب الإمام عليه السلام الوليّ الفقيه ( مرجع التقليد الواجد للشرائط ) نائباً عنه عليه السلام بالنيابة العامة و أعطاه قيادة الأمة و الحاكمية على النّاس.
و قد أشار الإمام السابع عليه السلام إلى هذه المسألة الخطيرة بقوله:{ إنّ لله على النّاس حجتين: حجةً ظاهرةً و حجةً باطنةً، فأمّا الظاهرةُ الأنبياءُ و الرسلُ و الأئمةُ و أمّا الباطنةُ العقول }[ 13 ]و تتجلى هذه الحجة في مصاديقها في سياق التاريخ. و في عصر الغيبة شاء الله تعالى - لمصلحة إلهية- أن لا يكون الإمام المعصوم ( عليه السلام ) على رأس الحكومة الظاهرية، بل يحكم النّاس من خلال نوابه بالنيابة العامة [ مراجع التقليد ]. و هذا هو السبب الذي جعل ولاية الفقيه تتمتع في عصر الغيبة الكبرى بمكانة خاصّة.

--------------------------------------------------------------------------------
* الشيخ فضيل:
تُعَدُ مسألةُ المشروعية من أهم المسائل التي تطرح في مجال فلسفة السياسة، و هذه المفردة تطرح أوّل ما تطرح حينما تثار هذه المساءلة: على أي أساس ( عقلي أو شرعي ) تحكمني الجماعة الفلانية ( في الحكم الديمقراطي ) أو الفرد الفلاني ( في الحكم الملكي أو الإلهي)؟ عندنا أصل فطري و شهودي لا يحتاج إلى توجيه معرفي مطلقاً و هو "لا حاكمية لأحد على أحد" أقرت بهذا الأصل الأساس الأديان الإلهية و العقول السليمة. و السؤال الذي يُثار في الذهن: من أين نشأت المشروعية في عالم الحكم و السياسة؟ أيّ: ما هو الملاك و المعيار الذي على أساسه يصح لجماعة ( أو لفرد ) تطبيق القانون على الرعية و على الرعية أن تطيعها و تخضع لها؟

سؤال في غاية الأهمية و الخطورة و لا زال إلى يومنا هذا من دون جواب في حقل فلسفة السياسة. و يبقى شوكة في عين النظام الليبرالي الغربي الذي يعتمد على آلية الديمقراطية في تسير أموره السياسية. و غير خفي: إنّ النظام الديكتاتوري و الملكي لا تعني قصة المشروعية عنده شيئاً من الأشياء، تتمثل المشروعية - في النظامين - في القوة، فإذا لم يعجبك النظام و قمت لتعترض عليه عملياً تُرمَى في السجون إلى آخر حياتك أو تزاح من الدنيا بسهولة تامة. إذن: لا كلام لنا مع هاذين النظامين اللذين لا يَشكُ أحدُ في كونهما من مخلّفات الظلامية و عصور التخلف ( و يمكنك إضافة إلى هذه الخانة نظام الأمراء الذي أرادت جماعة من المتخلفين فرضه على شعبنا الجزائري العزيز ). فلنركّز على النظام الليبرالي الذي يدعي الحرية السياسية و حرية الفرد في مجتمع يسميه "المجتمع المدني". كيف تُتَصور المشروعية في النظام الليبرالي؟ قبل الإجابة على هذه المساءلة نشير إلى مغالطة علمية غرقت فيها شريحة كبيرة من السياسيين و المفكرين، و هي إنّه ليس لدينا في عالَم السياسة و ممارسة العمل السياسي نظام ديمقراطي، عندنا نظام ليبرالي يقوم على أسس ثلاثة: 1. الحرية الفردية، 2. الحرية الإقتصادية، و 3. الحرية السياسية. و يقصدون بالحرية السياسية أنّ الحاكم في النظام اليبرالي يستمد المشروعية من المجتمع المدني على أساس العقد الإجتماعي كما قرر ذلك جان جاك روسو في العقد الإجتماعي و غيره من العلماء الذين بحثوا هذه المسائل. و الإنصاف – من باب: لا تبخسوا النّاس أشياءَهم – أنّ القوم قد قطعوا شوطاً كبيراً في هذا المجال، و هذا لا يعني أنّنا نوافقهم على هذا المسار بكل مكوناته.
فالنظام اليبرالي هو نسق سياسي و إجتماعي يقوم على الحريات الثلاثة السابقة، و تمثل هذه الحريات مكتسبات ناضل من أجلها الغرب سنين طويلة حتى وصل إليها، و في نهاية المطاف تمكّن من القضاء على الحكم التيوقراطي الذي كان يحكم بإسم الله كذباً و افتراءاً و قضى كذلك على الحكم الملكي الظلامي المتخلف. أمّا الديمقراطية فهي مجرد آلية لإيصال من يرتضيه المجتمع المدني إلى سدة الحكم. فالديمقراطية آلية من آليات المجتمع المدني تسمح لأفراد هذا المجتمع بالتصويت - بكل حرية - على من يرغبون في برنامجه السياسي و الاقتصادي و الثقافي، و إذا لم يعجبهم هذا البرنامج في الفترة المحددة له قانونياً لهم أنّ يغيّروا الحكومة على أساس الآلية نفسها.
نرجع إلى بحثنا و نسأل بدورنا هذا السؤال: ما معنى المجتمع المدني؟ المجتمع المدني هو كيان متشكل من مؤسسات في إطار الدولة العام من قبيل الأحزاب السياسية التي تمثل المحور في العمل السياسي و الجمعيات بتجلياتها المتعددة من ثقافية و إعلامية و علمية و نقابية و غيرها، و يقع هذا الكيان خارج الحكومة و منه تنبثق مشروعية الحكومة. و الآلية الوحيدة التي توصل الحكومة و مشروعها إلى سدة الحكم وفقاً لهذا النسق هي الإنتخابات ( صناديق الإقتراع ). فمن أخرجته صناديق الإقتراع إلى الحكم و لو بنسبة 51 % من الأصوات فله المشروعية التي تؤهله لتطبيق مكونات برنامجه في حدود ما يسمح به الدستور الذي يمثل إجماع الأمة و الركيزة القانونية التي تقوم عليها الدولة. و على أفراد المجتمع المدني الخضوع لهذه الحكومة قانونياً وفقاً للعقد الإجتماعي.
و هنا يكمن بيت القصيد: كيف نوجّه حاكمية هذا النظام على من لا يقبله و لا يقِر له بالمشروعية المكتسبة من خلال صناديق الإقتراع و الإنتخابات. و بعبارة ثانية: كيف نوجِّه علمياً و عملياً خضوع الأقليات للحكومة المنبثقة على أساس الآليات التي يخضع لها المجتمع المدني؟ فالمسألة لها حلّان لا ثالث لهما: الأوّل: الخضوع للحكومة الفعلية و الركون لها، و هذا يخالف الأصل الأوّل ( الحرية الفردية ) من الأصول التي بُنيَ عليها النظام الليبرالي، أو الخروج من الوطن و السفر في أرض الله الواسعة ( الحركةُ برَكَةُ كما يقال )، و هذا الحل بات الآن غيرَ عملي بخاصة في عصر الحدود المعترف بها دولياً و قانون التأشيرات و ما شابه ذلك، مضافاً إلى مخالفة هذا الأمر لأصل المجتمع المدني الذي يسمح لكل فرد أن يشارك في بناء الدولة سياسياً و اقتصادياً و ثقافياً. فالحلان يسببان خللاً معرفياً و عملياً في نسق الليبرالية. فما هو العمل إذاً؟!
هذه الإشكالية ما زالت شوكة في حلق النظام الليبرالي و لم يعثر زعماء الفقه السياسي إلى الآن على حلٍ ناجع لها.
من المشروع لك أن تقول: الإشكالية تصدق كذلك على النظام الديني و الحكم الإلهي؟ نقول في الجواب: ( لنتفق مسبقاً: الحكم الإلهي الذي نتحدث عنه – هنا- هو الذي يستمد مشروعيته من أهل البيت ( عليهم السلام )، و لا علاقة لنا بالأطروحات الأُخَر مطلقاً.فمقصودنا إذاً من الحكم الإلهي هنا الحكم الذي يستمد مشروعيته من الله تعالى من خلال العترة الطاهرة وفقاً لما جاء في حديث الثقلين الشريف: { قال: إنّي فَرَط على الحوض، و أنتم واردون عليَّ الحوض، و إنَّ عُرضَه ما بين صنعاء و بُصرى، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة، فانظروا كيف تخلِفوني في الثقَلَين.
فنادى منادٍ: و ما الثقلان يا رسول الله؟
قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله – عزَّ و جلَّ- و طرف بأيديكم، فتمسكوا به لا تضلّوا، و الآخر الأصغر عترتي، و إنّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترق حتى يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا و لا تقصروا عنهما فتهلكوا }