... النهار لا يحتاج إلى دليل!

حوار: حسين الحربي


بين القاعدة وحزب الله، والدوائر والعراق وايران وشؤون شتى شرق وغرب، الدكتور يعقوب حياتي النائب الاسبق الشهير وعضو الهيئة الاستشارية لقادة مجلس التعاون معربا عن سيل متدفق من الآراء التي تراوحت بين التفاؤل والتشاؤم وما بينهما تجاه الوضع العام، ليجيب عبر هذا اللقاء الشامل عن جملة من الاسئلة المحمولة اليه من «الرأي العام» طارقا ملفات ساخنة وقضايا مهمة في الشأنين الداخلي والخارجي.

وفي المستهل اكد حياتي انه عندما ينتقد العمل الخيري فإنما يهاجم المنطقة المجهولة الخفية فيه مع كل الاحترام للعمل الخيري الواضح والمكشوف.

وفي معالجته للتساؤل عن وجود أنصار لتنظيم القاعدة او حزب الله في الكويت قال ان «النهار لا يحتاج إلى دليل فالناطق الرسمي بلسان القاعدة كان كويتيا سحبت منه الجنسية» مستنكرا في الوقت نفسه القول بعدم وجود حزب الله في الكويت لأن من يقول ذلك «اما هو من الخيال او انه من حزب الله»، وفي معرض الرد اشار الدكتور حياتي الى ان بعض التجمعات في الكويت هي امتداد لوجود خزبي خارجي ضاربا على ذلك المثل بالحركة الدستورية الاسلامية التي هي فرع لجماعة الاخوان المسلمين.

ونبه حياتي الى ان ضعف الدولة وعدم سيادة القانون سببان لما يمكن وصفه الظاهرة الفوضوية التي تظهر فيها التنظيمات والافكار المتطرفة، ليسخر في الوقت نفسه من التكتلات السياسية وتجمع الكتل لأن «هذه التكتلات شيء من الكرتون يذهب باول نفخة مع الريح».

وشكك خلال الحديث بمشروع الدوائر الخمس «لأن التقسيمات الفئوية والقبلية فيه موضوعة بالمسطرة والقلم»... مبينا ان طرفين سيخسران بسببه هما المرأة والمستقلون داعيا الى قيام لجنة من القضاء والنواب والوزراء السابقين لوضع التصور المأمول حول الدوائر، وجها نقدا عنيفا للنزول الى الشارع في المسألة بظل وجود برلمان ومؤسسات دستورية.

واعتبر حياتي ان العمل السياسي في الكويت غير صحي لأنه يقوم على التربص والتصيد، وحذر من ان الدولة مقبلة على ازمة كبيرة جدا «حيث للبعض اهدافه الخاصة التي يلبسها ثوب الاستجوابات التي هي نفق رعب للوزراء» وقال بأن الاستجوابات المقدمة منذ العام 1985 في معظمها كانت تهدف الى طرح الثقة بالوزير المستجوب منذ البداية وقبل الخوض في الاستجواب.

ووصف حياتي الذي «اخترع مصطلح وزير تأزيم» أنه (نائب فاسد) ورأى في السياق نفسه ان «البرلمان الآن من اكبر مكامن الفساد، اما مكامن فساد الحكومة فهي تقليدية ومعروفة ومكتشفة» وتناول الحديث قضايا متشعبة تتصل بولاية الفقيه ونظرته الى حزب الامة والوضع العراقي وكذلك الايراني وشعبية الوزارة التي رأى ضرورة التدرج قبل الوصول اليها ليخلص في ختام الحديث الى التحذير من مغبة وقوع مواجهة ايرانية - اميركية ستجلب الكوارث على شعوب المنطقة لا الولايات الاميركية واصفا من يقول غير ذلك بالرومانسي، محذرا ايضا من وقوع حرب أهلية في العراق...

وهنا نص الحوار:

• دائما ما تردد في مجالسك الخاصة ان ما يحصل داخل الكويت من ازمات ستكون له انعكاسات اخطر من الغزو... كيف تفسر ذلك؟

- الكويت دولة قائمة على الحب واصل هذا الحب هو الوحدة الوطنية وثروة الثروات بالكويت ليس النفط وانما التعايش المتمثل بالوحدة الوطنية، قوة هذا الوطن العزيز قد تتماثل في ضعف الوطن العزيز، يعني ان مكمن القوة قد يكون هو مكمن الضعف ولذلك اذا حرص الكويتيون على الوحدة الوطنية فسوف يعيشون ويستمرون اذا تهاونوا بالوحدة الوطنية فسينطبق عليهم مثل حضارات سادت ثم بادت.

• هاجمت الجمعيات الخيرية وقلت أن هناك دولة جمعيات فهل ما زلت عند رأيك؟

- في العمل الخيري هناك المعلوم وهناك المجهول وانا مناصر جدا للمعلوم في العمل الخيري ومتسائلا ومهاجم جدا للمجهول في هذا العمل.
المعلوم في العمل الخيري منطقة اضاءة والمجهول فيه منطقة مظلمة ولذلك في هذه المنطقة المظلمة لا يكون العمل عملا خيريا، سمي العمل ما شئت، ولا اتصور احدا ان يهاجم العمل الخيري، فالخير من مشتاق الاقتراب الى الله سبحانه وتعالى ولا يتصور ان اهاجمه بحال من الاحوال، ولكنني اهاجم بقسوة وبعنف المنطقة المجهولة في ما يسمى العمل السياسي الذي هو على الجانب الآخر، لذلك هناك منطقتان معلومتان وانا معهما من الالف الى الياء لأنهما يقعان في دائرة الاضاءة ودائرة الشفافية والمعرفة، الفلس يخرج عارفا مدخله واعرف مدخله وهذا هو العمل الخيري الذي يقوم على عنصرين هما عنصر المال وابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى.
ويقوم بهذه المسألة رجال اخيار نعتز ونفتخر بهم لكن منطقة مجهولة مظلمة في هذا العمل الذي لا نسميه عملا خيريا وهي محل التساؤل، ولذلك انا اميز وعندي موقف دائما من المنطقة المعلومة فأنا من اشد المناصرين لها لأنها منطقة واقعة تحت السيطرة القانونية والمنطقة المجهولة فهي التي يحدث فيها الانفلاتات والاختراقات.
• ما المنطقة المجهولة حسب تصورك؟
- هي التي لا اعلم بها عن كيفية مسار الفلس الذي عبارة عن عنوان المال الوحدة الصغيرة للمال، اعلم المخرج (بضم الميم) لكني لا اعلم المخرج (بفتح الميم).
• قلت ان لبعض الاحزاب في الكويت وجودا خارجيا وان اللقاءات السرية نهجنا، فهل تعتقد ان لزعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن انصارا واتباعا واحبابا في الكويت؟
- «لا يحتاج» النهار الى دليل عندما تطلب الدليل عن النهار سيكون الطرف الآخر في الموقف العاجز، تطلب من الآن الدليل عن النهار وليس يصح في الافهام شيء اذا احتاج النهار الى دليل! واؤكد بنسبة مليار في المئة ان هناك انصارا واحبابا لزعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن وليس ادل من ذلك بأن الناطق الرسمي لتنظيم القاعدة هو «كويتي» وانه اسقط عن الجنسية الكويتية، اما بخصوص الاحزاب فالكويت فيها تجمعات فرعية لا احزاب اصلية، خذ مثلا حركة الاخوان المسلمين لهم تنظيم داخل الكويت باسم الحركة الدستورية وايضا حزب الله الخارجي سواء أكان في ايران او لبنان له تنظيم داخل الكويت وهذا اوضح صورتين وايضا اكرر كذلك بأن في شأن هذه المسألة النهار لا يحتاج الى دليل.
• من المسؤول عن تنامي ظاهرة الارهاب والعنف والتطرف والاعجاب بابن لادن؟
- دائما الباطن يكون مرحليا محل اعجاب يعني الرئيس العراقي السابق صدام حسين في يوم من الايام كان معبودا عند بعض الجماهير وكان محل اعجاب لا انه كان يمثل الباطن الذي له جولة وصولة، في هذه المرحلة ويتم تنامي الاعجاب اما تنظيم القاعدة على وجه التحديد فهو فكر رمزي يعتمد على انماء الذات واكفاء الآخرين بالقوة وهناك كثير من الاشخاص بهذا الاتجاه وهو اتجاه من مشتقات الفوضوية في العالم... المدرسة الفوضوية سائدة في كل الحضارات واحيانا تطغى واحيانا تزول وفكر القاعدة ينتمي الى الفكرة او المدرسة وكثير من الناس يتذمرون من القانون فيعجبون بالفوضوية، والقاعدة فكر فوضوي لأن هناك بل دعني اتكلم بشيء من الفلسفة، المدرسة الفوضوية قائمة وممتدة عبر التاريخ واحيانا تنتشر وتسود الدولة التي تختص فيها سيادة القانون واحيانا تتضاءل وتسكن ولا تسكت فهناك فرق كبير بين السكون والسكوت الذي يعتبر حالة صمت، والسكون حالة ترقب، ولذلك عندك حالات من القاعدة في حالة سكون اي عندما يأتي المشير سترى هذه الحالات، وانا اعتبر المسؤول الاول عن تنامي الارهاب هي الدولة لأن هذه الظاهرة تنجم عن ضعف الدولة وخوف الدولة اللذين هما عاملان اساسيان في تنامي مثل هذه الظواهر ايضا في اسباب اخرى مرتبطة في لغة الحوار، لغة الحوار قد تكون في الدولة القانونية لغة رائجة وهي بالضرورة في الدولة البوليسية لغة متنفية، فهذه الجماعات في الدول البوليسية لا وجود لها لكنها تنمو في الدول التي تعتمد مبدأ الحوار، وفي الفكر الفوضوي لا يؤمنون بالحوار واذا آمنوا بالحوار فإنهم يفعلون ذلك لمرحلة فقط وحتى يصلوا الى مرحلة إلغاء الآخرين وانماء الذات، عندما تنمو ذواتهم يلغون الآخرين، لكن المسؤولية الاولى والاخيرة في هذه المسألة تقع على عاتق الدولة.
• الامتحان الذي سقطت فيه تكتل الكتل في انتخاب اللجان النيابية هل يعني ان القبلية هي المنتصر الاول والاخير في اللعبة السياسية؟
- هذه التكتلات من وجهة نظري هي تكتلات كرتونية، يعني مع اول نفخة تذهب مع الريح.
• الدوائر الخمس هل هي الافضل وهل ستؤدي دورها بدعم الوحدة الوطنية وتخفيف ما امكن من التمايز الطائفي؟
- هذا خبز لا اكلة، وهناك من يرى ان نظام الدوائر الخمس يخفف من الطائفية والقبلية وصور الرشاوى وستساهم بالزج بالعنصر النظيف في العملية السياسية والبرلمانية.
انا في شك كبير، ولو تنظر في تقسيم الدوائر على ضوء الدوائر الخمس ستجد أنها تقسيمات طائفية وتقسيمات فئوية وقبلية موضوعة بالمسطرة والقلم وبالتالي سيضيع معها عنصران هما العنصر المستقل والانثوي، الانثى ستضيع في هذا الزخم الطائفي الصرف، واعتقد بأن موضوع الدوائر الخمس وربطه بالاصلاح مسألة ما لها علاقة لا من قريب او بعيد، بل هي كمن يشخص المرض ويقرر دواء مختلفا، الاصلاح عبارة عن نهج يبدأ الفا في المنزل وينتهي ياء بالمدرسة اما القول أن الاصلاح من خلال تعديل الدوائر فهذا اعتبره كلاما فارغا ولا قيمة له وسوف تكشف الايام بأن الدوائر الخمس كما الدوائر الـ 25 بشيء من التخفيف من درجات الفساد، وانا مع الشرعية في البلد وانا اتحفظ تماما ان تتولى سلطة تشكيل سلطة اخرى وما حدث في الدوائر الخمس فإن الحكومة هي التي تقدمت ووافقها المجلس وهذه مسألة غريبة جدا وكيف يمكن التأمين للحكومة والحكومة ماضيها في العشر دوائر وماضيها بـ الـ 25 دائرة وماضيها في الخمس دوائر كيف يتم التأمين؟ يجب على الحكومة ان ترفع يدها كليا عن هذه المسألة لأن مسألة التشكيل مرتبطة بالسلطة التشريعية التي يتعين ان تتولاها مباشرة ودون تدخل من السلطة الاخرى.
الاشكالية الثانية تقع داخل السلطة التشريعية حيث الكل يشرع لذاته لذلك يتصف القانون في هذا الخصوص بالخصوصية والتحديد لا بالعمومية والتجريد واذا انحسرت خاصة العمومية والتجريد عن القانون اصبح قانونا غير دستوري، والامثل بوجهة نظري ان يحدث شيء من الاتفاق ما امكن بين السلطتين عبر تشكيل لجنة محايدة حيث ستقدم هذه اللجنة المحايدة من الذين غادروا لذواتهم بتشكيلات مختلفة من قضاة سابقين وأعضاء سابقين ووزراء سابقين وباتفاق السلطتين على التعاون.
اما الآن فما الذي حدث؟ جماعة فوضوية تمردت على القانون ونادوا بما نادوا باسم (نبيها خمس) وباسم العدالة ونزلوا الى الشارع بظل مؤسسة دستورية قائمة وبرلمان واوجدوا ما يسمى ليس بثقافة الشارعية واوجدوا آفة التمرد على القانون والآن كل جماعة من خمسة او ستة اشخاص ينزلون الى الشارع وهذا ينشئ حالة خطرة في الكويت سوف ندفع ثمنها غاليا وهي حالة التمرد على القانون واللافت للنظر انه داخل التحركات كل يغني على ليلاه او على لبناه، وداخل هذه التكتلات هناك قيادات لها اهداف في بالها وهناك من يرى الامور من اجل المصلحة العامة وهناك من لا ينظر إلا الى مصلحته الخاصة القائمة على الانانية.