آخـــر الــمــواضــيــع

بيانٌ صادرٌ عنِ القواتِ المسلحةِ السعودية بقلم الناصع الحسب :: تقرير مصور/ حفل التكليف الشرعي للفتيات الشيعة في غرب كابل بقلم مسافر :: نائب رئيس الموساد سابقا: نخسر حرب غزة واقتصادنا ينهار بقلم لطيفة :: بيان ثلاثة من مراجع الدين للمؤتمر العالمي الخامس للإمام الرضا عليه السلام بقلم لطيفة :: آية الله سبحاني يبدي رأيه حول عطلة أيام السبت في إيران بقلم لطيفة :: تزيين الصحن الحسيني الشريف بلوحات مطرزة مع ذكرى ولادة الإمام الرضا (ع) ... صور بقلم لطيفة :: تفاصيل جديدة تخص مشروع صحن أم البنين {س} في كربلاء بقلم grand canyon :: "القسام" تقتل 20 جندياً صهيونياً في عمليتين بشرق رفح بقلم grand canyon :: الدكتور عبدالله النفيسي .. يهدد الأسرة الحاكمة ويذكرهم بدوواين الأثنين قبل الغزو بقلم بو شلاخ :: عمر بن لادن: والدي زار الكويت لطلب الدعم من الشيخ جابر الأحمد بقلم عقرب ::
النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: نقد أحمد الكاتب (رؤيته للاعتداء على الزهراء(ع) نموذجاً)

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. Top | #1

    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.02
    المشاركات
    138

    مشاركة: نقد أحمد الكاتب (رؤيته للاعتداء على الزهراء(ع) نموذجاً)

    إعادة وضع قواعد الاستغلال الطائفي للتاريخ



    يضع أحمد الكاتب عنواناً صارخاً : " إعادة كتابة التاريخ " لبدئه مناقشة قضية الاعتداء على الزهراء(ع)، وقد وضعه بهذا الشكل كتمهيد لما سيعرضه من رؤى متعارضة مع ما هو مشهور بين الطائفة الشيعية التي يوجه انتقاداته لرؤيتها، يقول الباحث : " وأعاد أولئك الغلاة قراءة التاريخ الإسلامي وكتابته من جديد، فأضافوا إليه من عند أنفسهم ما لم يحدث أبدا، واختلقوا أساطير تاريخية زرعت الحقد والعداوة والبغضاء على الصحابة الطاهرين، وتركت أثرا سلبيا على وحدة المسلمين النفسية على مدى التاريخ " إن التعبيرات الجزافية التي يستخدمها الباحث في هذا النص لا تدل إلا على حالة من السخط الطائفي تجاه الرؤية الشيعية الرافضة للخليفتين، وتبدو هذه التعبيرات صارخة في عبارته (وأعاد أولئك الغلاة قراءة التاريخ الإسلامي وكتابته من جديد، فأضافوا إليه من عند أنفسهم ما لم يحدث أبدا، واختلقوا أساطير تاريخية) وبالتالي فقد أصبحت كل الرؤى الشيعية – المُضطهَدَة والمحكومة - للتاريخ زائفة وخاضعة لأغراض الدس والتلفيق على يد الغلاة – حسب تعريف الباحث – بما يعني كنتيجة أن الرؤية السُنية – المُضطهِدة والحاكمة – هي السليمة والواقعية والأقرب إلى التصديق، وهذا الحكم قد يصلح في مجال السباب الطائفي حيث تتهم كل طائفة الأخرى بفساد مصادرها وأصولها، إلا أنه في مجال البحث التاريخي لا يمكن قبوله، فمن غير المنطقي أن تكون المصادر التاريخية لطائفة واحدة هي فقط من تعرضت للتحريف والتلفيق، كما أن الموقف العدائي من الصحابة كان متواجداً بأشكال متنوعة في العهود الأولى بين الصحابة أنفسهم وظهر بوضوح من خلال الصراعات التي نشبت بينهم سواء في السقيفة أو في الجمل وصفين، وهذا الموقف هو إفراز في الواقع لهذه الصراعات والتي أدت إلى أن يرفض البعض شخصية الإمام علي(ع)، في حين رفض البعض الآخر شخصيات أخرى كأبي بكر، عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، ومن غير الممكن أن يتم اعتبار هذا الموقف مختلق بكل تفاصيله في مراحل متأخرة على يد مجموعة ضئيلة من الغلاة كما يرى الباحث، وإلا فإن عليه في البداية إنكار أنه كان ثمة صراعات بين الصحابة في السقيفة أو في عهد عثمان أو الجمل أو صفين، خاصة مع استخدامه عبارات رنانة أكثر مما هي واقعية في وصفهم (الصحابة الطاهرين) متجاوزاً كل أحداث ما بعد وفاة النبي (ص) .
    إن المثل الأكثر وضوحاً بالنسبة للباحث على هذا التحريف هو قضية ميراث الزهراء(ع) من الرسول (ص)، والذي شاء الباحث أن يعطيه شكلاً مختلفاً على عكس المرويات التاريخية عموماً .
    يقول الباحث : " وكان من الأمور التي ضخموها موضوع (فدك) التي أفاء ها الله على رسوله يوم خيبر بلا قتال، فأعطاها لابنته السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وعندما تولى أبو بكر الخلافة استرجعها منها باعتبارها من الأموال العامة، ولكن الزهراء قالت إن النبي أعطاها لها منحة، فطالبها بالشهود، فجاءت بزوجها الإمام علي وأم أيمن فشهدا لها، ولكن أبا بكر رفض الحكم لها برجل وامرأة وطالبها بمزيد من الشهود، فانصرفت فاطمة غاضبة " أما كيف تم تضخيم هذا الحدث فإن الباحث يعرضه على النحو التالي : " والى هنا فالقصة مما يجمع عليه المؤرخون، وهي، كما هو واضح، قصة خلاف قضائي شخصي لا يحمل معنى عدائياً ضد الزهراء ... ولكن الغلاة أضافوا على تلك القصة خطبا مزعومة وموهومة قالوا إن السيدة فاطمة ألقتها في المسجد ضد أبي بكر والمهاجرين والأنصار، وذمتهم فيها كثيرا. ويوجد نسخ عديدة لهذه الخطب المتناقضة، وكلها منقولة عن كتب مجهولة من القرن الثالث والرابع والسادس، بلا إسناد متصلة، أو رواية موثوقة " فالباحث لا يرى في تصرف أبي بكر أي معنى عدائي ضد الزهراء(ع)، والأمر لا يعدو أن يكون خلاف قضائي، وهذا التبسيط المفتعل للخلاف أحد الوسائل التي لجأ إليها الباحث كثيراً في هذه الدراسة، فثمة علامات استفهام كثيرة حول سبب هذا التصرف من الخليفة تجاه فاطمة الزهراء(ع) ؟ وهل من المعتاد أن يضطر الإنسان إلى الاستعانة بشهود لإثبات ميراثه عن آباءة ؟ وما هو دافع أبي بكر لتكذيب كل من الإمام علي(ع) وأم أيمن(رض) اللذين شهدا بصحة ادعاء السيدة الزهراء(ع) في فدك وهو يعلم مكانة كل منهما من النبي (ص) ؟ ومن الغريب أن السيدة الزهراء(ع) لم تعتبره مجرد خلاف قضائي، بل أخذته على محمل عدائي تجاهها وإلا لما هجرت أبي بكر طوال ستة أشهر حتى وفاتها كما ذكرت السيدة عائشة، ورفض الإمام علي بن أبي طالب(ع) أن يصلي عليها الخليفة أو أي من الصحابة الذين أيدوه(77)، وبغض النظر عن مدى صحة خطبة الزهراء(ع)(*) من الناحية السندية، ما هو تفسير الباحث لهذا التصرف من السيدة فاطمة والإمام علي (ع) ؟ وكيف يمكن أن يجمع بينه وبين تصوره التبسيطي عن الخلاف القضائي بين الزهراء(ع) وأبي بكر ؟ .
    وقبل الخوض في دراسة قضية إحراق بيت فاطمة الزهراء(ع)، دون الباحث بعض النقاط المهمة كتوضيحات لبحثه، وهي ربما تكون – رغم الانتقادات – الإيجابية الأولى في هذا البحث، وقد ناقش فيها بعض ما اعتبره حقائق في الوضع الديني والمذهبي والتاريخي السائد في هذه المرحلة من التاريخ الإسلامي .
    1 – في النقطة الأولى قال الباحث : " أن المسلمين في القرون الثلاثة الأولى لم يكونوا يعرفون الانقسام الطائفي الحاد، حيث لم يكن اسم " أهل السنة " يطلق إلا على مجموعة صغيرة من " أهل الحديث " ولم يكن اسما عاما على طائفة مقابل " الطائفة الشيعية ". حيث كان يوجد تداخل كبير بين تيارات الشيعة المختلفة من محبي أهل البيت من الزيدية والإمامية والمعتزلة وأهل الحديث، من العلويين والعباسيين وغيرهم، بصورة يصعب فيها إطلاق وصف شيعي أو سني على أي شخص، فضلا عن إطلاقه على عامة الناس. ولعل أبرز مثل على ذلك هو الإمام الشافعي الذي اعتبر بعد وفاته أنه إمام من أئمة أهل السنة، بينما كان يتهم في حياته بأنه شيعي أو رافضي. وكذلك المؤرخ الطبري، الذي صُنِّف مؤخرا على أنه شيعي، بينما كان المتطرفون من أهل السنة، أي الحنابلة، يتهمونه بالتشيع والرفض. وفيما اعتبر الإمامية أئمة أهل البيت، أئمة خاصين بهم، كان عامة "أهل السنة" يعتبرونهم أئمة لهم ويوالونهم ويحبونهم "، والواقع أن هذا الرأي يحتوي على أجزاء من الصحة، من منطلق عدم وضوح فكرة التشيع والتسنن في القرنين الأولين من الهجرة، إلا أن هذا الغموض حول تعريف الشيعي عانى منه بالأساس مؤلفي علم الرجال السُنة، ولعل هذا ما يبرر الاتهامات التي وجهت إلى بعض علماء السُنة بالتشيع من قبل الحنابلة، وهي اتهامات مازال السلفيين يوجهونها إلى الآن للأشعرية من السُنة وخصوصاً المتصوفة منهم، في حين كان المعنى الأساسي للشيعي معروف في الأوساط الشيعية كنتيجة لعملها السياسي المعارض ضد السلطة الأموية، وهذا العمل هو ما أدى لوضوح المُصطلح وتصنيف المسلمين بناء عليه، وربما كان الدليل الأوضح هو حالة الاضطهاد المنهجية التي مورست على الشيعة والتي تدل على أن هذا التعبير كان واضحاً تماماً للسلطة الأموية ثم العباسية .
    على أن حكمه بأن القرون الثلاثة الأولى لم تشهد انقساماً طائفياً يبدو متجاوز لحد كبير، فقد كان الخوراج متواجدون كمذهب له أصوله الفكرية، وفي أواخر الدولة الأموية ظهر الاعتزال في البصرة على يد واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، وقد ظهرت كذلك مذاهب أخرى فكرية وعقائدية كالمرجئة، كما كان الشيعة يعرفون باعتمادهم في الفقه والأصول على أهل البيت (ع) وكانت عقائدهم محددة وواضحة ومشهورة بين الطوائف الأخرى، وقد شهد العالم الإسلامي في أواخر العهد الأموي بعض الحراك السياسي الذي صاحبه نوع من الاصطدام بين المذاهب المختلفة التي تشير إلى معتقداتها، فعلى سبيل المثال قام الثائر الخارجي أبو حمزة بإلقاء خطبة على منبر المدينة سنة 130 هـ ينتقد فيها الشيعة قال فيها : " قد قلدوا أمرهم أهواءهم، وجعلوا دينهم عصبية لحزب لزموه وأطاعوه في جميع ما يقوله لهم : غياً كان أو رشداً، أو ضلالة أو هدى . ينتظرون الدول في رجعة الموتى، ويؤمنون بالبعث قبل الساعة، ويدعون علم الغيب لمخلوق لا يعلم أحدهم ما في داخل بيته، بل لا يعلم ما ينطوي عليه ثوبه أو يحويه جسمه "(78) وبغض النظر عن اللهجة الساخطة في خطبة أبو حمزة الخارجي والناتجة عن دور الشيعة في تحجيم حركته وسيطرته على المدينة، فإن خطبته دليل على أن التشيع كان مذهباً مستقلاً وله عقائده المتوافقة مع العقائد الحالية في أثناء الدولة الأموية، وتشير رسالة الخليفة هشام بن عبد الملك إلى والي الكوفة يوسف بن عمر في شأن زيد بن علي(رض) سنة 122 هـ إلى أن هذه العقائد كانت هي الطابع العام لأهل الكوفة : " أما بعد فقد علمت بحال أهل الكوفة في حبهم أهل هذا البيت ووضعهم إياهم في غير مواضعهم لأنهم افترضوا على أنفسهم طاعتهم ووظفوا عليهم شرائع دينهم ونحلوهم علم ما هو كائن حتى حملوهم من تفريق الجماعة على حال استخفوهم فيها إلى الخروج "(79)، فحسب هذين النصين كان الشيعة في هذه الفترة يعتقدون بأن أئمة أهل البيت (ع) أئمة مفترضي الطاعة، ومختصين بالعلم النبوي بما يؤهلهم لمعرفة المغيبات، كما اعتقدوا بالرجعة، وهي ذات العقائد الشيعية التي تواجدت طوال العصور السابقة وحتى الآن .
    2 – يثير الباحث في هذه النقطة قضية هامة حول اليقيني والشكي في التاريخ : " ولا بد أن نشير إلى نقطة أخرى مهمة، وهي أن التاريخ يحتوي على روايات متواترة حول أمور معينة، يحصل لمن يقرأها مجتمعة القطع واليقين على أمر معين، في حين يحتوي أيضا على إشاعات وأساطير، وروايات تسمى بروايات الآحاد، وهي روايات أقرب إلى الإشاعات، وتنقل بصور غامضة ومتناقضة وبلا إسناد، أو عبر رجال كذابين أو غير ثقاة أو كتب غير معروفة ولا معتبرة ... والموقف منها هو الشك والرفض والتمسك بالأمور اليقينية الثابتة بالتواتر والإجماع حسب القاعدة الأصولية المعروفة : لا تنقض اليقين بالشك " .
    إن تحديد اليقيني والشكي في التاريخ يختلف بكل تأكيد من باحثٍ لآخر، كما أن الرجال والكتب الموثوقة تختلف من طائفة لأخرى، كما أن أجماع علماء طائفة على قضية يتعارض مع إجماع علماء طائفة أخرى، فما هي القاعدة التي تجعلنا نتبنى مروية ونرفض أخرى أو نوثق مصدراً دون الآخر، أو نتبنى إجماع طائفة ونتجاهل إجماع طائفة أخرى ؟
    إن التعبير عن المروية التاريخية بكلمة (موثوقة) أو وصف إخباري بكلمة (ثقة) لا وجود له في التاريخ إطلاقاً، فليس ثمة إنسان قادر على التخلص من يقينياته ومصالحه التي تؤثر في رؤيته للأمور وبالتالي في نقله للمروية، مما يعني أن كل المصادر التاريخية أياً كانت تحتوي على مرويات صادقة وأخرى كاذبة، كما أن كل إخباري من الممكن أن ينقل مروية صادقة وأخرى كاذبة أو مشوهة بما يخدم مصالحه الدينية والسياسية والاجتماعية، كما أن استخدام معايير علم الرجال غير مقبول فيما يخص التاريخ، وإلا فلن يجد في الواقع إخبارياً واحداً موثقاً أو متفقاً على توثيقه بين علماء الرجال المسلمين .
    3 – في النقطة الثالثة يستعرض الباحث الكيفية الصحيحة – من وجهة نظره – لقراءة النصوص التاريخية : " أما النقطة الثالثة، فهي ضرورة قراءة التاريخ قراءة ظاهرية طبيعية، وتجنب التفسيرات التعسفية والقراءات الباطنية المقلوبة، التي قام بها الغلاة، للتاريخ ولأقوال أئمة أهل البيت، وقلبوا من خلالها الأبيض إلى أسود، والأسود إلى أبيض، وذلك باسم " التقية " التي كانوا يستخدمونها كغطاء لتمرير أقوالهم ونظرياتهم المغالية المضادة لفكر وأقوال أهل البيت " إن قراءة النصوص التاريخية يجب أن يعتمد على إدراك خلفيات صدورها، ولا يوجد أي قيمة لقراءة ظاهرية تتجاهل التطورات والخلفيات التاريخية والتي تشمل التطورات الاقتصادية والاجتماعية، فلا يمكننا أن نتفق مع السلفيين على سبيل المثال في أفكارهم حول الاحترام المتبادل بين الإمام علي(ع) وبين الزبير بن العوام أو السيدة عائشة في حين كان هناك صدام اجتماعي وعسكري بين الطرفين في معركة الجمل، على الرغم من كم المرويات التي يستدلون بها والتي حسب هذه الخلفية التاريخية لن تكون لها أي قيمة، إلا أنها سوف تكون كذلك بالتأكيد لو قرأت بالطريقة التي يدعو لها أحمد الكاتب وهي لا تختلف كثيراً عن الأسلوب السلفي في قراءة مثل هذه الأحداث، حيث ستبدو الخلفية التاريخية شأن مختلف عن العلاقات الخاصة بين هذه الشخصيات وهو بالتأكيد لا يرتبط بالحقيقة إطلاقاً وإنما برغبة البعض في التوصل لهذه النتيجة .
    وحسب المثل الذي عرضه الباحث فعلى الرغم من اتفاقي معه في أن التقية استخدمت كمبرر لتمرير بعض المرويات الغير مقبولة على الأئمة (ع) فإن هذا لا يشمل جميع المرويات من حيث أن التقية أمر متوقع بالنسبة لأئمة أهل البيت (ع) الذين كانوا يمثلون المعارضة السياسية في مواجهة السلطتين الأموية والعباسية، وبالتالي فإن التقية تعد وسيلة تقليدية في مواجهة القمع الأمني المتطرف للأمويين والعباسيين .
    4 – وأخيراً يرى الباحث في النقطة الرابعة أن من الواجب على الباحثين تجنب الافتراض والتخمين في التاريخ : " وهناك نقطة رابعة، هي ضرورة تجنب الاعتماد على تشكيل الصورة التاريخية بالافتراض والتخمين، إذ يلاحظ أن بعض من يكتب في التاريخ، يقوم بافتراض كثير من الأمور التي لم تقع ولم يسجلها التاريخ، ولا يوجد لديه أي دليل عليها، اعتمادا تصورات معينة، أو ادعاء حذفها من التاريخ ومنعها من التدوين، وهو ما يعني محاولة كتابة التاريخ على مجرد الافتراض والخيال، دون العلم واليقين "، إن حالة العلم اليقيني تبدو مرتبطة بالعقيدة أكثر من التاريخ، فالمرويات التاريخية الموجودة بالفعل لا تعبر سوى عن وجهة نظر الإخباري في الأحداث ليس أكثر وهي وجهة ترتبط بمصالح وانتماءات طائفية واجتماعية بما لا يمكن الحصول على أي يقين بهذا الشكل التأكيدي الذي يطلبه أحمد الكاتب ومن الغريب إنكار الباحث لعملية التلاعب التي مورست تجاه المصادر التاريخية، وهي حقيقة بديهية تقوم بها أي سلطة ديكتاتورية قمعية كالسلطتين الأموية والعباسية، بل أن السلطة الحكومية في عهد الخلفاء الثلاثة الأوائل منعت كذلك عن تدوين حديث النبي (ص) واتخذت إجراءات مشددة وصلت إلى الاعتقال لبعض الصحابة أو تحديد إقامتهم(80)، وليس ثمة تبرير واضح لهذا التعسف سوى أن هذه الأحاديث المروية عن النبي (ص) كانت تمثل إزعاجاً سياسياً لسلطة الحكومة الراشدية .
    إن الافتراض التاريخي ليس مجرد عملية ذهنية خيالية، وإنما هو أسلوب في استكشاف الفراغات التي نتجت عن عدم ذكر الأحداث التاريخية بشكل كامل أو ذكرها مبتورة عن مسبباتها أو نتائجها، وهذا الأسلوب يقوم على أساس قراءة الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية للحدث والتي تمثل عامل الضغط المؤدي للحراك التاريخي، فهو إذن ليس تخميناً مزاجياً حسب أهواء الباحث، كما أن الدعوة لقراءة الأحداث التاريخية حسب ظواهر المرويات لن يعدو أن يكون مجرد تقبل لما أملته السلطة السياسية القائمة والتي بالتأكيد تسعى لتبرير ممارساتها بعيداً عن الحقيقة التاريخية .
    إن التساؤل الذي يمكن أن نطرحه الآن حول النقاط الأربعة السابقة، هل يمكننا أن نعتبرها معبرة عن منهج في نقد المرويات التاريخية يدعو له الباحث ؟
    إن هذه النقاط لا تعبر عن منهج – كما يتضح من النقد الموجه لها – بقدر ما تعد مبرر للنتائج التاريخية التي سيتبناها الباحث فيما بعد وهو لن يمكنه الوصول إلى هكذا نتيجة إلى عن طريق إتباع النصائح والإرشادات التي أوردها في نقاطه الأربعة والتي يرغب كذلك في إجبار المُتلقي على إتباعها كضمان لوصوله إلى ذات النتائج .
    إن أي بحث تاريخي لا يمكن أن يعتمد على مثل هذه النقاط الأربعة والتي تتجاهل بتعمد خلفيات الأحداث، وتعتمد على توثيق مرويات أشخاص محددين انطلاقاً من مواقف تاريخية أو دينية، إلا أنها تصلح كقواعد يقوم عليها الاستغلال الطائفي للتاريخ، بحيث يتحول التاريخ إلى مجرد وسيلة لا غاية وهو بالتالي سيوظف للسباب الطائفي بغض النظر عن الحقيقة .



    77 – محمد بن جرير الطبري . م . س . ج 2 ص 236 .
    (*) توجهت لمكتب سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله) حول مدى صحة هذا الادعاء لأحمد الكاتب، فأجاب :
    " هذا الادعاء غير صحيح فقد روى ذلك السنة والشيعة وهناك تسالم عليه، والادعاء الحاصل ان الخطبة لأبي العيناء، قال المرتضى : أخبرنا ابو عبيد الله المرزباني حدثني علي بن هارون اخبرني عبد الله بن ابي طاهر عن أبيه قال ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كلام فاطمة عند منع أبي بكر إياها فدكاً وقلت له إن هؤلاء يزعمون انه مصنوع وانه من كلام أبي العيناء لأن الكلام منسوق البلاغة فقال لي رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلمونه أولادهم وقد حدثني به أبي عن جدي يبلغ به فاطمة على هذه الحكاية وقد رواه مشايخ الشيعة وتدارسوه قبل أن يوجد جد أبي العيناء " ثم قال المرتضى : وقد روي هذا الكلام على هذا الوجه من طرق مختلفة ووجوه كثيرة.."
    وذكر صاحب كتاب بلاغات النساء ابو الفضل أحمد بن ابي طاهرالمولود ببغداد سنة 204 والمتوفى سنة 280 هـ مثله.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " .
    78 – فلهوزن . م . س . ص 151 .
    79 - محمد بن جرير الطبري . م . س . ج 4 ص 198 .
    80 – نجاح الطائي . نظريات الخليفتين . بيروت 1998 . ج 2 ص 13، 14 .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    أشرب نخبك أيتها الأشياء الجميلة في العالم .. أنا الأكثر زوالاً والأكثر إيماناً والأكثر خوفاً .. الذي يخشى الموت أكثر منكن جميعاً

  2. Top | #2

    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.02
    المشاركات
    138

    مشاركة: نقد أحمد الكاتب (رؤيته للاعتداء على الزهراء(ع) نموذجاً)

    ميزان القوى القبلية عند بيعة أبي بكر


    إن الاعتداء على الزهراء(ع) كقضية ترتبط في الأساس بحالة الصدام السياسي التي حدثت بين الصحابة عقب وفاة النبي (ص)، والتي تطورت في النهاية إلى استخدام العنف ضد أسرة النبي والتي كانت من ضمن الأطراف المعارضة لما أفرزته السقيفة (ص) .
    لقد لجأ الباحث في مناقشته لهذه الجزئية التي يدرك تماماً مدى أهميتها كخلفية لقضية الاعتداء على الزهراء إلى تبسيطها بأقصى درجة كي يصل لنتيجتين مبدئيتين، الأولى : أن ما حدث عقب وفاة النبي لم يكن سوى خلاف مؤقت بين الصحابة، لا يصل لدرجة الصدام العدائي، الثانية : أن خلافة أبي بكر ظلت معلقة حتى مبايعة الإمام علي(ع) له بعد مرور ستة أشهر وبعد وفاة السيدة فاطمة الزهراء(ع)، بما يعني أنه كان بمقدور الإمام علي(ع) إسقاط أبي بكر نظراً لانتمائه لعشيرة ضعيفة في قريش وعدم ميل ميزان القوى القبلية لصالحة في تلك المرحلة حيث أن أبي بكر كان مرفوضاً من معظم عشائر قريش التي تواجدت بالمدينة بالإضافة إلى كونه مرفوضاً من بعض عشائر الأنصار كالخزرج، وهو ما يعني قبول الإمام علي(ع) لخلافة أبي بكر بشكل هادئ .
    وفي النهاية يصل أحمد الكاتب إلى النتيجة الأساسية لهذه الجزئية : " ومع بيعة الإمام علي لأبي بكر بعد ستة أشهر من وفاة الرسول (ص) طويت صفحة الخلاف بين الإمام علي وإخوانه من السابقين والمهاجرين والأنصار، وعم الود والحب والتقدير والتعاون في سبيل الله والدفاع عن الإسلام، إلى حد تزويج الإمام علي ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب . وتسمية ثلاثة من أبنائه باسم أبي بكر وعمر وعثمان " ويستشهد الباحث بدليل يتوافق مع مقدمته : " فإذا كان أبو بكر قد ترك سعد بن عبادة ولم يجبره على البيعة، فقد كان أضعف من أن يجبر الإمام علي على البيعة، وأبعد من أن يأمر باقتحام داره وجلبه بالقوة، أو يسمح لأي أحد بتهديده بإحراق بيته عليه " .
    على أن استعراض الأحداث التاريخية لا يتفق مع هذا التبسيط الذي لجأ إليه الباحث، فقد استغل أبو بكر حالة العداء التقليدية بين الأوس والخزرج لإثارة الخلاف بينهما : " إن هذا الأمر إن تطاولت إليه الخزرج لم تقصر عنه الأوس وإن تطاولت إليه الأوس لم تقصر عنه الخزرج ، وقد كانت بين الحيين قتلى لا تنسى وجراح لا تداوى ، فان نعق منكم ناعق جالس بين لحيي أسد يضغمه المهاجري ويجرحه الأنصاري "(81) مما أدى إلى فشل سعد بن عبادة في الحصول على تأييد الأوس، بل أن قطاع من الخزرج تحت قيادة بشير بن سعد الأنصاري لم يكن مؤيداً له وتحالف مع المهاجرين في هذا الخلاف(82)، على أن ما أدى لحسم هذا الصراع لصالح المهاجرين هو تدخل قبيلة أسلم البدوية وقيامها باحتلال طرقات المدينة حيث تقول المروية : " أن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر فكان عمر يقول ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر "(83)، إن كلمة النصر التي استخدمها عمر تشير إلى نوع الخلاف المؤقت الذي تحدث عنه الباحث، فبعض مرويات الطبري تشير إلى حدوث صدام بالأيدي بين عمر بن الخطاب وقيس بن سعد عبادة بالإضافة إلى صدام آخر بينه وبين الحباب بن المنذر بن الجموح، وعموماً فثمة تساؤل ربما يفرض نفسه في هذا الإطار عن كيفية دراية قبيلة أسلم بالأمر في حين كانت بعض أحياء المدينة غير منتبهة بما يحدث ؟ ناهيك عن سبب انحياز قبيلة أسلم لأبي بكر على وجه الخصوص ؟
    وبغض النظر عما قد تثيره إجابات تلك الأسئلة من شكوك فإن سقيفة بني ساعدة انتهت بنتيجة واضحة وهي حصول أبي بكر على تأييد قبيلة أسلم التي قامت باحتلال المدينة، وقبيلة الأوس وقدر كبير من الخزرج، بل أن البقية الباقية من الخزرج بايعت أبي بكر بعد أيام قلائل كما يذكر الطبري(84).
    فيما يخص عشائر قريش فقد نقل الباحث مروية عن ابن قتيبة بشكل مبتور ومشوه : " إن بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب... واجتمعت بنو أمية إلى عثمان واجتمعت بنو زهرة إلى سعد وعبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد مجتمعين، فلما اقبل عليهم أبو بكر وأبو عبيدة وقد بايع الناس أبا بكر قال لهم عمر: ما لي أراكم مجتمعين حلقا شتى؟ قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الأنصار "(85) إن نقل المروية بهذه الصورة قد يعطي إيحاء بأن كل هذه العشائر كانت تسعى لتولية الصحابي الذي ينتمي إليها بما يعني أنها لم تؤيد أبي بكر في مسعاه لتولي السلطة، إلا أن الجزء الذي لم يدونه الباحث يعطي صورة أوضح : " فقام عثمان بن عفان ومن معه من بني أمية فبايعوه، وقام سعد وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوا "(86)، وحسب هذه المروية التي استدل بها الباحث، فإن أبي بكر حصل على مبايعة بني زهرة وبني أمية وهما من العشائر القوية في قريش .
    لقد عول الباحث كثيراً على حالة التحريض والحماس التي أبداها أبو سفيان للإمام علي(ع) حين عاد إلى المدينة واكتشف أن أبو بكر قد بويع له بالخلافة، على أساس كونها تؤكد أن أبي بكر لم يحظ بتأييد قريش، إلا أن هذه الحادثة متأخرة عن السقيفة في حين كان بني أمية قد بايعوا بالفعل إتباعاً لخطى عثمان بن عفان والذي أصبح هو المتزعم الأساسي لهذه العشيرة عقب سيادة الإسلام على الجزيرة العربية اعتماداً على أسبقيته في اعتناق الإسلام .
    والواقع أن هذه الحماسة لأبو سفيان سرعان ما تلاشت أمام محاولات التدجين التي استخدمتها معه السلطة الجديدة بما أدى لتغيير موقفه السياسي تماماً، فقد كان مكلفاً من قبل النبي (ص) بجمع صدقات نجران، وقد لجأت السلطة الجديدة إلى شراء تأييده عن طريق التغاضي عن مطالبته بهذه الأموال : " و روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة عن عمر بن شبة عن محمد بن منصور عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال كان النبي (ص) قد بعث أبا سفيان ساعيا فرجع من سعايته و قد مات رسول الله ص فلقيه قوم فسألهم فقالوا مات رسول الله (ص) فقال من ولي بعده قيل أبو بكر قال أبو فصيل قالوا نعم قال فما فعل المستضعفان علي والعباس أما و الذي نفسي بيده لأرفعن لهما من أعضادهما .
    قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز و ذكر الراوي و هو جعفر بن سليمان أن أبا سفيان قال شيئا آخر لم تحفظه الرواة فلما قدم المدينة قال إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم قال فكلم عمر أبا بكر فقال إن أبا سفيان قد قدم و أنا لا نأمن شره فدع له ما في يده فتركه فرضي "(87) .
    إذن فقد تحولت الأوضاع القبلية لصالح أبي بكر الذي أجاد استغلال حالة الاحتقان القبلي ما بين الأوس والخزرج في السقيفة كما تمكن من الحصول على دعم عشائر قريش باستثناء بني هاشم، والصحابة الموالين للإمام علي(ع)، على أنه لابد من توضيح أن قوة الخليفة الأول لم تكن بناء على قاعدة حقيقية فالأمر لم يتعد القدرة على عقد التحالفات مع قوى أخرى كانت لها مشاريعها الخاصة إلا أنها اتفقت على رفض تولي الإمام علي(ع) للخلافة .
    لقد رفض الباحث المرويات التي تحدثت عن الصراع الناشب بين الإمام علي(ع) والسلطة الجديدة بناء على أن الأوضاع القبلية لم تكن في صالحة بتلك الفترة، وعلى الرغم من أن هذا الاستدلال تبين مدى هشاشته فإن استنتاج الباحث يظل مطروحاً : " فإذا كان أبو بكر قد ترك سعد بن عبادة ولم يجبره على البيعة، فقد كان أضعف من أن يجبر الإمام علي على البيعة، وأبعد من أن يأمر باقتحام داره وجلبه بالقوة، أو يسمح لأي أحد بتهديده بإحراق بيته عليه " أن قوة الإمام الحقيقية لم تكن في قوة عشيرته فقط أو قدرته على أن يثير المشاكل تجاه الحكومة الجديدة بقدر ما كانت فيما يمثله من شرعية دينية، وهو ما لا يتحلى به سعد بن عبادة الذي ترك بلا بيعة استخفافاً بقيمتها كما نصح بشير بن سعد الأنصاري : " إنه قد لج وأبى وليس بمبايعكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد واستنصحوه "(88) فمحاولة إجبار سعد بن عبادة على البيعة لن تسبب بالنسبة للحكومة الجديدة سوى مشاكل مع الخزرج الذين كانوا قد بايعوا بالفعل دون أن تحوي قيمة أو فائدة حقيقية وبالتالي فإن أبي بكر لم يجد داعياً لمخاطرة بلا قيمة، وبالتأكيد كان وضع الإمام علي(ع) يختلف عن بشير بن سعد في تمثيله لقاعدة دينية وسياسية وقبلية قوية – رغم أقليتها العددية في هذه الفترة – كانت قادرة على التشكيك في شرعية تولي الخليفة للخلافة، وإعادة استقطاب القوى الأنصارية التي أُجبرت على البيعة مرة أخرى، في مقابل إدراك الخليفة الأول لهشاشة تحالفه مع الأوس وبعض القوى القبلية، وبالتالي فقد كان يجب على الخليفة السعي للحصول على بيعة الإمام علي(ع) بكل الطرق .
    أما المرويات التي تذكر اعتصام الإمام علي(ع) عقب بيعة أبي بكر مع أنصاره في بيت فاطمة(ع) ورفضه البيعة والعنف الذي مورس ضد المعتصمين فقد عرضها الباحث بشكل مستهجن دون توضيح لنقاط الضعف سوى التعويل على ميزان القوى القبلية : " ولكن بعض الروايات تقول إن الإمام علي أخذ يقاوم أبا بكر وانه أركب فاطمة على حمار وراح يدور بها في طرقات المدينة ليلا، استجلابا لدعم الأنصار له، وانه اعتصم مع الزبير وعدد من المهاجرين في بيته وحملوا السلاح استعدادا للمقاومة، مما دفع أبا بكر إلى أن يرسل عمر إلى فاطمة الزهراء ليهددها بإحراق البيت عليهم أو يخرجوا للبيعة، وان الإمام علي قد أُجبر على بيعة أبي بكر " .
    الواقع أن الخليفة الأول فشل بالفعل في إجبار الإمام علي(ع) على البيعة لمدة ستة أشهر(89) كما تذكر المرويات، إلا أن استبعاد الباحث لحدوث الاعتصام وما تلاه من أحداث لا يقوم على أساس إذا كانت التوازنات القبلية في صالح الخليفة ولو بصفة مؤقتة، وهي أحداث اتفق على روايتها معظم الإخباريين حتى من غير الشيعة كما يقول ابن أبي الحديد : " فأما امتناع علي (ع) من البيعة حتى أخرج على الوجه الذي أخرج عليه فقد ذكره المحدثون و رواه أهل السير و قد ذكرنا ما قاله الجوهري في هذا الباب و هو من رجال الحديث و من الثقات المأمونين و قد ذكر غيره من هذا النحو ما لا يحصى كثرة "(90) وإن كان ابن أبي الحديد قد استثنى بعض الأحداث التي ينفرد بها الشيعة كالاعتداء بالضرب على السيدة الزهراء(ع)، وبغض النظر عن هذا الحادث فتوجد شواهد كثيرة على مصداقية الأحداث الأخرى كالاعتصام وطلب الإمام النصر من الأنصار لعل أهمها الرسائل المتبادلة بين الإمام علي(ع) ومعاوية بن أبي سفيان، وبين الأخير وولاة الإمام كمحمد بن أبي بكر، فردود الإمام علي(ع) على معاوية تشير إلى حدوث عنف ومحاولات لإجبار الإمام علي البيعة : " وقلت إنني كنت أُقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أُبايع، ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت . وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه ولا مرتاب بيقينه "(91)، ورسالة معاوية بن أبي سفيان إلى محمد بن أبي بكر(رض) : " ... فقد كنا وأبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب وحقه لازماً لنا مبروراً علينا . فلما اختار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ما عنده، وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته، وأبلج حجته، وقبضه الله إليه صلوات الله عليه، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه، وخالفه على أمره، على ذلك اتفقا واتسقا . ثم أنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم . ثم بايع لهما وسلم لهما، وأقاما لا يشركانه في أمرهما، ولا يطلعانه على سرهما، حتى قبضهما الله ... ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك من قبلنا فأخذنا بمثله "(92)، كما يذكر معاوية في أحد رسائله إلى الإمام يستدل فيه بعدم وجود أي حقوق له في الخلافة بالحادثة التي ذكرها ابن قتيبة عن طلب الإمام علي(ع) الدعم من الأنصار في مواجهة السلطة الجديدة : " وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلاً على حمار ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر الصديق، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلا دعوتهم إلى نفسك ومشيت إليهم بامرأتك، وأدللت إليهم بابنيك، واستنصرتهم على صحاب رسول الله، فلم يجبك منهم إلا أربعة أو خمسة، ولعمري لو كنت محقاً لأجابوك ولكنك ادعيت باطلاً وقلت مالا يعرف ورمت ما لا يدرك . ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حركك وهيجك : لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم "(93)، إن هذه النصوص تشير بوضوح إلى حقيقة العلاقة ما بين السلطة الجديدة والإمام علي(ع) سواء في عهد أبي بكر أو عهد عمر، كما أنهما يشيران إلى محاولات الضغط التي مورست على الإمام علي(ع) لإجباره على البيعة، والتي عبر عنها معاوية بعبارة واضحة " فهما به الهموم، وأرادا به العظيم " وذلك بغض النظر عن عدم نجاح الخليفة الأول على إجبار الإمام على البيعة عقب السقيفة مباشرة أو اضطراره للانتظار حتى وفاة فاطمة الزهراء(ع) : " لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه "(94) فالمرويات التي تتحدث عن ترك السلطة للإمام علي(ع) وبني هاشم لمدة ستة أشهر دون بيعة إنما تشير إلى تأجيل السلطة لمحاولات الضغط على الإمام(ع) بعد الفشل الأول حتى وفاة فاطمة(ع) خوفاً مما قد تحدثه من تأثير سلبي على المسلمين .
    وتبدو مروية طلب الإمام التأييد من الأنصار بمساعدة السيدة الزهراء(ع) منطقية في إطار هذا الصراع، وهي تفسر الإجراءات التالية التي اتخذتها السلطة تجاه الإمام علي(ع) والسيدة فاطمة(ع) خاصة فيما يخص ميراثها من الرسول (ص) في فدك، وتغير موقف بعض الأنصار وندمهم المعلن على بيعتهم لأبي بكر مما استدعى لجوء السلطة إلى إجراءات سلبية تجاه الأنصار، تقول المروية : " لما بويع أبو بكر واستقر أمره، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته، ولام بعضهم بعضاً، وذكروا علياً وهتفوا باسمه وإنه في داره لم يخرج إليهم. وجزع لذلك المهاجرون وكثر في ذلك الكلام. وكان أشد قريش على الأنصار نفر فيهم : سهيل بن عمرو والحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل، ... فلما اعتزلت الأنصار تجمع هؤلاء فقام سهيل بن عمرو فقال : يا معشر قريش إن هؤلاء القوم قد سماهم الله الأنصار وأثنى عليهم القرآن فلهم بذلك حظ عظيم وشأن غالب، وقد دعوا إلى أنفسهم وإلى علي بن أبي طالب وعلي في بيته لو شاء لردهم ! فادعوهم إلى صاحبكم (أبو بكر) وإلى تجديد بيعته فإن أجابوكم وإلا فاقتلوهم، فوالله إني لأرجو أن ينصركم عليهم كما نصرتم بهم ... وقال الحارث : فإنه قد لهجوا بأمر إن ثبتو عليه فإنهم قد خرجوا مما وسموا به وليس بيننا وبينهم معاتبة إلا السيف. وقال عكرمة : إن الذي هم فيه من فلتات الأمور ونزعات الشيطان وما لا يبلغه المنى ولا يحمله الأمل، اعذروا إلى القوم فإن أبوا فقاتلوهم "(95) إن تعصب شخصيات قرشية كسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل للسلطة الجديدة ضد الأنصار يؤكد أن عشائر قريش كانت قد قررت دعم السلطة الجديدة، وقد اعتبرت أن هذه المجموعة من الأنصار التي قررت تغيير موقفها ودعم الإمام علي(ع) تمثل خطر على مستقبلها السياسي إلى درجة تقديم اقتراحات تصل إلى القتل والمحاكمة بالسيف كعقاب لهذا التصرف، ومن ناحية أخرى لا يوجد مبرر لهذا التحول لدى هذه المجموعة من الأنصار سوى سعي الإمام علي(ع) لاستقطابهم وتغيير موقفهم السياسي وهو ما يؤكد صحة مروية حمل الإمام للزهراء(ع) والدوار بها على بيوت الأنصار ليلاً(96) .
    يطرح الباحث تساؤلات لمناقشة قضية الاعتداء على الزهراء(ع) : " هل تقاوم هذه الأسطورةُ الروايةَ الأولى علميا ؟ وهل هي رواية متواترة ؟ أم هي خبر آحاد ؟ أو إشاعة سخيفة ؟ وهل هي مسندة بشكل متصل ؟ أم مقطوعة ومرسلة وغامضة ومتناقضة ومجهولة ؟ وهل هي قديمة ومعروفة في الأجيال الأولى؟ أم نظرية حادثة في العصور المتأخرة؟ " .
    إن هذه الأسئلة تدل على أن الباحث يرغب في التعامل مع مرويات القضية حسب موقفها السندي، وهو أسلوب يصلح مع مرويات الفقه أو العقيدة لكنه غير صالح إطلاقاً مع المرويات التاريخية والتي لا تعترف بأي مصداقية لأشخاص دون آخرين في نقل الأحداث .
    لقد لجأ الباحث إلى استعراض المرويات والبحث عن وسائل تحقق له نتيجته المعلنة مسبقاً، وقد بدأ بالمروية التي نقلها ابن أبي الحديد عن مصنف ابن أبي شيبة : " حدثنا عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (المعاصر لمالك بن أنس) حدثنا زيد بن أسلم العدوي (توفي سنة 136) عن أبيه أسلم مولى عمر بن الخطاب (توفي بين سنة 60 – 70 هـ) : أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال : " يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت ". قال : فلما خرج عمر جاءوها فقالت : تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فَروا رأيكم ولا ترجعوا إلي، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر " .
    وقد نقل ابن أبي الحديد هذا الخبر عن كتاب السقيفة للجوهري وان اختلف في ذكر الأسماء التي كانت تدخل بيت فاطمة(ع) حيث ذكر أن الزبير والمقداد كانا يدخلان إلى الإمام علي(ع) في جماعة من الناس للتشاور ثم ذكر بقية المروية(97) وهي في مروية الجوهري تبدو أكثر واقعية .
    والواقع أن الباحث نفسه شكك في قيمة هذه المروية من الناحية العلمية وإن لم يوضح أسباب تشككه، إلا أنني اتفق معه بالتأكيد في أن هذه المروية – مروية ابن أبي شيبة – تعاني من عدة نقاط ضعف لعل أهمها اختزالها المعارضين لخلافة أبي بكر في الإمام علي(ع) والزبير بن العوام، بالإضافة إلى إشارة المروية لبيعة الإمام علي(ع) للخليفة قبل وفاة السيدة فاطمة الزهراء(ع) وهي نقطة الضعف التي تشترك فيها الصيغتين للمروية، أما نقطة الضعف الثالثة فهي عدم توضيح المروية للأسباب التي دفعت الإمام علي(ع) والمجموعة المناصرة للاستسلام بهذه السهولة أمام تهديد عمر بن الخطاب حتى مع إدراكهم الواضح في المروية لصدق تهديده لهم .
    على أن المثير للغرابة هو استخدام الباحث لسياسة التبسيط مع هذه المروية : " فان هذه الرواية تتحدث فقط عن التهديد بحرق البيت . مع إعراب عمر عن محبته للزهراء، وانصراف علي والزبير ومبايعتهما لأبي بكر " وهنا يسعى الباحث بشكل غريب لخلق قناعة ما تتقبل أن يجتمع التهديد الجدي بحرق المنزل الزهراء(ع) ومحبتها واحترامها في آن لدى عمر بن الخطاب، وهو لم يكن من الممكن أو المحتمل أن يفكر بهذا الأسلوب أو يسعى لمثل هذه المغالطة لولا أن الاتهام موجه لشخصية عمر بن الخطاب وتبنيه للأسلوب السلفي في إخضاع التاريخ للانتهازية الطائفية بغض النظر عن الحقيقة .
    ولم يستخدم الباحث نفس أسلوب عرض المروية وتبريرها بهذا الشكل مع مرويات الجوهري التي نقلها ابن أبي الحديد ربما لأنها – رغم ما في بعضها من تناقض – لا تخدم أغراضه، وبالتالي فقد لجأ للتشكيك في ابن أبي الحديد ذاته : " وكل هذه الروايات لا نستطيع التأكد من صحتها، لأن ابن أبي الحديد ينقلها في القرن السابع الهجري عن الجوهري، الذي توفي القرن الرابع ، عن كتابه (السقيفة وفدك) المفقود، الذي ينقل الروايات من دون سند متصل، رغم توثيق ابن أبي الحديد له . وبالتالي لا يمكن الاعتماد على أية رواية منها. لأن الوجدان في الكتب من أضعف طرق الرواية، خاصة إذا كانت قديمة وعرضة للتلاعب والتزوير " والواقع أن تبني منهج الباحث في التعامل مع المرويات بهذا الأسلوب يعني الاستغناء عن كل مصنفات التاريخ الإسلامي تماماً بما فيها تلك التي تتحدث عن إنجازات الخلفاء كالفتوحات وحروب الردة، والتي لم تنقل عن أشخاص وإنما عن مصنفاتهم، وهي تعاني كذلك من كونها مفقودة الآن، وليس من الصعب على أي إنسان التشكيك في التاريخ الإسلامي كله إذا ما استخدم هذا الأسلوب في إطلاق الأحكام دون عرض أدلة، فالباحث لم يشر لمن الذي يتهمه بالتزوير والتلفيق في الكتاب ؟ وكيف لم ينتبه المؤلفون وعلى الأخص ابن أبي الحديد لهذا التناقض في النسخ المختلفة – لو كان ثمة تناقض – خاصة مع شدة الصراع الدائر بين المذاهب المختلفة وسعي كل منها لتوظيف التاريخ كذلك في صراعاتها مع الآخرين ؟ بالإضافة إلى أنه لم يحدد بالضبط ما هو المُلفق أو المزور في الكتاب ودلائله على ذلك ؟ هذه الأسئلة لم يطرحها الباحث وهو يشكك بكل سهولة في نص كتاب " السقيفة وفدك " والذي يبدو من الواضح أنه تعرض للأحراج الشديد بسبب توثيق ابن أبي الحديد للجوهري بما لم يمكنه من التشكيك في المرويات الواردة أو الطعن في مصداقية المؤلف فسعى للتشكيك في الكتاب ذاته للتخلص من حرج ممارسة نقد حقيقي على المرويات .


    81 - الجوهري . م . س . ص 55 / المظفر . م . س . ص 120، 121 .
    82 - الجوهري . م . س . ص 58 / المظفر . م . س . ص 103 - 108 .
    83 – محمد بن جرير الطبري . م . س . ج 2 ص 244 .
    84 – م . س . ج 2 ص 244 .
    85 – ابن قتيبة الدينوري . م . س . ج 1 ص 14، 15 .
    86 – م . س . ص 14، 15 . تقول المروية : " " إن بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب... واجتمعت بنو أمية إلى عثمان واجتمعت بنو زهرة إلى سعد وعبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد مجتمعين، فلما اقبل عليهم أبو بكر وأبو عبيدة وقد بايع الناس أبا بكر قال لهم عمر: ما لي أراكم مجتمعين حلقا شتى؟ قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الأنصار، فقام عثمان بن عفان ومن معه من بني أمية فبايعوه، وقام سعد وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوا " .
    87 – ابن أبي الحديد . م . س . ج 2 ص 44 . والراوي هو أحمد بن عبد العزيز الجوهري والذي يصفه ابن أبي الحديد بقوله : " هو من رجال الحديث و من الثقات المأمونين ". م . س . ج 2 ص 60 .
    88 - محمد بن جرير الطبري . م . س . ج 2 ص 244 .
    89 - ابن قتيبة الدينوري . م . س . ج 1 ص 16، 17 .
    90 - ابن أبي الحديد . م . س . ج 2 ص 60 .
    91 – الإمام علي بن أبي طالب(ع) . م . س . ص 336، 337 .
    92 – المسعودي . م . س . ج 2 ص 10 .
    93 – مرتضى العسكري . عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى . قم 1997 . طبعة المجمع العلمي الإسلامي . المجلد الأول . ص 137 .
    94 - ابن قتيبة الدينوري . م . س . ج 1 ص 16 .
    95 – سعيد أيوب . معالم الفتن . بيروت 1994 . طبعة دار الكرام . ج 1 ص 338 .
    96 - ابن قتيبة الدينوري . م . س . ج 1 ص 16 .
    97 - ابن أبي الحديد . م . س . ج 2 ص 45 .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    أشرب نخبك أيتها الأشياء الجميلة في العالم .. أنا الأكثر زوالاً والأكثر إيماناً والأكثر خوفاً .. الذي يخشى الموت أكثر منكن جميعاً

  3. Top | #3

    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.02
    المشاركات
    138

    مشاركة: نقد أحمد الكاتب (رؤيته للاعتداء على الزهراء(ع) نموذجاً)

    أما كتاب أنساب الأشراف للبلاذري فقد عرض الباحث بعض مروياته والتي نقل معظمها عن أبي الحسن المدائني، وتتميز مرويات المدائني عموماً بالحرص على إخفاء حادث اقتحام منزل السيدة الزهراء(ع) كما في المرويات 1184، أو إظهار الشكل الودي لمبايعة الإمام علي(ع) لأبي بكر عقب وفاة الزهراء(ع) كما في المروية رقم 1186، والمروية 1190(98)، وذلك رغم ذكر المدائني للتهديد بالعنف الذي مارسه عمر تجاه الإمام، وهي الجزئية التي استفزت وأحرجت الباحث للغاية الأمر الذي دفعه إلى السعي لتوهين كل من البلاذري والمدائني في آن : " وبغض النظر عن انقطاع السند في كل روايات البلاذري الآنفة، توجد ملاحظة على شخصيته " الانتهازية " إذ ينقل عنه أنه كان يمدح المأمون ثم كان من ندماء المتوكل، كما يقول ابن عساكر وياقوت الحموي، ويقال أنه وسوس في آخر أيامه ومات في البيمارستان. وأما المؤرخ البصري علي بن محمد أبو الحسن المدائني (توفي سنة 224) الذي نقل البلاذري عنه الرواية الأخيرة، فانه ليس بالقوي في الحديث، كما يقول ابن عدي في (الكامل). ولم يذكره ابن حبان في الثقات، إضافة إلى أنه قلّما يذكر رواية مسندة ... ومن هنا فان رواية البلاذري في القرن الثالث الهجري، عن استعمال عمر للعنف مع علي، أو تهديده بقبس من نار، رواية ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها في مقابل الروايات الأخرى "، إن التساؤل الذي يفرض نفسه أمام طريقة الباحث الساذجة في إسقاط المرويات والمؤلفات المعارضة لما يرغب في إثباته هو : ما هي علاقة انتهازية البلاذري مع الخلفاء أو وسوسته في آخر أيامه بمصداقية هذه المرويات المنسوبة للمدائني بينما لا يتجاوز دور البلاذري مجرد النقل ؟ وفي حالة صدق تصور الباحث عن انتهازية البلاذري وعمالته للحكام العباسيين (المعادين للشيعة بالضرورة) فما هو الدور المتوقع منه ممارسته مع هكذا مرويات في رأي الباحث ؟ هل هو تحريف المرويات لصالح الشيعة ؟ أم تحريفها لصالح السلطة التي هو عميل لها ؟
    لقد تجاهل البلاذري العديد من المرويات الأخرى التي نقلها الإخباريين عن هذا الحدث التي قد تشكل مصداقية للآراء الشيعية، والنموذج الأكثر وضوحاً هو المروية رقم 1188 : " حدثني بكر بن الهيثم، ثنا عبد الرازق، عن معمر، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال : بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي رضي الله عنهم حين قعد عن بيعته وقال : ائتني به بأعنف العنف . فلما أتاه، جرى بينهما كلام . فقال : احلب حلباً لك شطره . والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك غداً [ فقال علي ] وما ننفس على أبي بكر هذا الأمر ولكنا أنكرنا ترككم مشاورتنا، وقلنا أن لنا حقاً لا يجهلونه . ثم أتاه فبايعه "(99) وهي مروية ناقصة ومبتورة كما هو واضح، كما أن نهايتها لا تتفق مع الحوار العنيف والاتهام الذي وجهة الإمام علي(ع) لعمر بالانحياز لأبي بكر كي يورثه الخلافة فيما بعد وهو اتهام يشير إلى اعتقاد الإمام(ع) بوجود مؤامرة ما بين الشيخين، كما يؤكد إصرار الإمام على رفض بيعة أبي بكر كمبدأ، لكن النهاية تأتي متناقضة مع هذه المقدمة العنيفة حيث تصور الإمام علي يبايع الخليفة بكل سهولة ويتضح من المروية أن المشكلة تتلخص فقط في عدم مشاورة أبي بكر لآل البيت (ع) قبل توليه الخلافة .
    إن العديد من المصنفين السُنين الذين لم يتمكنوا من تجاوز هذه الحادثة والقفز عليها اضطروا إلى إدخال هذه الأجزاء الواضحة الافتعال وربما الكذب لتخفيف حدة وقع تصرف عمر وأبي بكر مع آل البيت (ع) عقب بيعة السقيفة مما قد يمنح الشيعة مصداقية في الصراع المذهبي بين الطائفتين، فالمروية الحقيقية حول هذا الموضوع والتي تجاهلها البلاذري رواها ابن قتيبة في (الإمامة والسياسية) عن ابن أبي مريم، عن العرياني، عن أبي عون بن عمرو بن تيم الأنصاري، كما نقلها أيضاً عن سعيد بن كثير عن عفير بن عبد الرحمن(100)، كما رواها أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه (السقيفة وفدك) عن أحمد بن إسحاق، أحمد بن سيار، عن سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري(101) : " ... قال : ... وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة، فقال لهم : انطلقوا فبايعوا . فأبوا عليه، وخرج الزبير بسيفه، فقال عمر : عليكم الكلب . فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار، ثم انطلقوا به وبعلي ومعهما بنو هاشم، وعلي يقول : أنا عبد الله وأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انتهوا به إلى أبي بكر فقيل له بايع فقال : أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله، فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبوئوا بالظلم وأنتم تعلمون .
    فقال له عمر : إنك لست متروكاً حتى تبايع . فقال علي : احلب يا عمر حلباً لك شطره !! اشدد له اليوم أمره ليرد عليك غداً !! لا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه . فقال له أبو بكر : إن لم تبايعني فلم أكرهك . فقال له أبو عبيدة : يا أبا الحسن إنك حديث السن، وهؤلاء مشيخة قريش قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك، وأشد احتمالاً له، واضطلاعاً به، فسلم له هذا الأمر، وأرض به، فإنك إن تعش ويطل عمرك، فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك . فقال علي : يا معشر المهاجرين، الله الله لا تخرجوا سلطان محمد من داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهَلهُ عن مقامه في الناس وأهلِهِ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن – أهل البيت – أحق بهذا الأمر منكم . أما كان منا القرئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بالسنة، المضطلع بأمر الرعية ! والله إنه فينا فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعداً .
    فقال بشير بن سعد [ الخزرجي الأنصاري ] : لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان، ولكنهم بايعوا . وانصرف علي [ عليه السلام ] إلى منزله ولم يبايع، ولزم بيته حتى ماتت فاطمة فبايع "(102) .
    إن المقارنة بين المرويتين يلاحظ فيها أن المروية الأولى اختزلت أحداث الصدام، سواء كان هذا الاختزال نقله البلاذري من الراوي ذاته أو كان قام هو باختزاله بنفسه، فهو في كل الأحوال تبنى مروية ناقصة مع توفر المروية الأخرى الأكثر معقولية ومنطقية في أحداثها، كما أن تواجدها بنفس النص في مصدرين مختلفين يؤكد ثبوتها، ورغم ذلك لم يهتم البلاذري بإيرادها إطلاقاً، وهنا يمكن الاتفاق حول سعي البلاذري للتقارب مع القصر العباسي لكن هذا التقارب أدى بالعكس من تصور الباحث إلى إخفائه وتجاهله لمرويات تذكر ما حدث من اعتداء على بيت الزهراء(ع) بشكل أوضح ويمثل إدانة أكبر للخليفتين .
    ومن الغريب أن الباحث لم يطعن إلا فيما نقله البلاذري من مرويات عن علي بن محمد المدائني في حين روى البلاذري هذا الحادث عن رواة آخرين تجاهلهم الباحث تماماً، وهو حتى في طعنة للمدائني لم يكن نزيهاً تماماً، فقد اكتفى بنقل الآراء التي تضعفه ولم يورد الآراء المغايرة وأهمها رأي الرجالي السني المشهور يحيى بن معين : قال أحمد بن أبي خيثمة كان أبي ويحيى بن معين ومصعب الزبيري يجلسون على باب مصعب فمر رجل على حمار فأره وبزة حسنة فسلم وخص بسلامه يحيى فقال له يا أبا الحسن إلى أين قال إلى دار هذا الكريم الذي يملأ كمي دنانير ودراهم إسحاق الموصلي فلما ولي قال يحيى ثقة ثقة ثقة فسألت أبي من هذا فقال هذا المدائني "(103)
    أما المصدر الثالث فهو كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة، وقد وصف الباحث المرويات التي تشير فيه للحادثة بقوله : " وإذا ما انتقلنا إلى كتاب آخر صدر في نفس الفترة، وهو كتاب (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة الدينوري (213 – 276)، فإننا سوف نشاهد فيلما هنديا مليئا بالبكاء والدموع والخيال اللامحدود، بدل أن نقرأ رواية علمية يعتمد عليها. وفي الحقيقة ان ابن قتيبة يعفينا عن تجشم الرد على روايته الأسطورية بالاعتراف مسبقا في مقدمة الكتاب بأنه يعتمد طريقة الجمع والقص والتأليف دون ذكر دقيق للمصادر . وهي طريقة غير علمية وتثير كثيرا من الشكوك والريبة في ما يرويه " إن الباحث ينتقد هنا مروية واحدة من مرويات ابن قتيبة حول موضوع بيعة الإمام علي(ع)، وبغض النظر عن اتهامه لابن قتيبة باللاعلمية في حين يفتقد هو شخصياً في استخدامه التهكم كطريقة للنقد وتسفيه ورفض المروية لأي قيمة علمية، فإن هذه الاتهامات لم يذكرها الباحث عندما لجأ إلى نفس المصدر في عرض مرويات تؤيد اعتمد عليها كثيراً لتأييد وجهات نظره في العلاقة بين الإمام والخليفتين، وبدا أن هذا المصدر ذو قيمة كبيرة لدى الباحث إلى أن اصطدمت بعض مروياته بآرائه، وعموماً فإن الباحث لم يوجه النقض إلا لمروية واحدة في حين تجاهل المروية الثانية والتي سبق تناولها مع أسانيدها في هذا البحث ربما لأنها منطقية وذكرت بنفس نصها في مصادر أخرى، وبالتالي فحتى على فرض صحة الاتهام الذي وجهة الباحث لابن قتيبة بالتلفيق فإن هذه المروية لا تدخل في هذا السياق نظراً لوجودها في مدونات تاريخية أخرى .
    ثمة تناقض آخر وقع فيه الباحث عندما وجه انتقاداً للشيعة بسبب اعتمادهم في النقل على كتاب ابن قتيبة على أساس كونه يمثل اعترافاً سنياً رغم الطعون الموجهة إلى كتابه، في حين استخدم هو نفس الطريقة في تعامله مع كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي، ففي حين لجأ الباحث إلى احدى مروياته باعتبارها اعترافاً شيعياً، فقد قام هو نفسه بتوجيه طعن لمصداقية الكتاب في نفس البحث : " فكيف يمكن أن نثق بأية رواية فيه يرويها رجال جاءوا بعده بسنين طويلة ؟ وكيف يمكن ان نصدق رواية الثقفي عن الإمام الصادق حول عدم بيعة الإمام علي لأبي بكر إلا بعد رؤيته للدخان في بيته؟ وهل يمكن اعتبار هذه الرواية مسندة وصحيحة ؟ وإذا كان يمكن للعامة أن يحرفوا الكتاب فلماذا لا يمكن للخاصة أن يفعلوا ذلك؟ ويضيفوا عليه ما يشاءون ؟ " .

    إن اتهام الباحث لابن قتيبة باعترافه أنه يعتمد التلفيق في الرواية مثير للسخرية والغرابة، فلم يسبق أن طعن أحد المؤلفين في مصداقية مُؤَلَفَه بهذا الأسلوب، والواقع أن الباحث مارس شكلاً آخر من عدم الأمانة غير المعقول في هذا الاتهام، فنص ابن قتيبة هو : " عن ابن أبي مريم، قال : حدثنا العرياني، عن أبي عون بن عمرو بن تيم الأنصاري رضي الله عنه، وحدثنا سعيد بن كثير، عن عفير بن عبد الرحمن قال : حدثنا بقصة استخلاف رسول الله لأبي بكر، وشأن السقيفة، وما جرى فيها من القول، والتنازع بين المهاجرين والأنصار وبعضهم يزيد على بعض في الكلام، فجمعت ذلك وألفته على معنى حديثهم، ومجاز لغتهم "(104) وبالتأكيد فإن تصرف ابن قتيبة حتى لو كان غير مقبول إلا أنه لا يمكن وصفه بالاعتراف بالتلفيق أو بالتزوير خاصة أن أجزاء كبيرة من هذه المرويات وجدت بنفس نصوصها تقريباً في مصادر أخرى وبأسانيد مختلفة، فعملية التلخيص التي قام بها ابن قتيبة لم تشوه المعنى وهو ما اهتم به المؤلف أكثر من اهتمامه بالسند .
    على أن اتهام الباحث ابن قتيبة بالتلفيق يفترض أن يقترن بتوضيحه عن أسبابه خاصة أن ابن قتيبة ليس شيعياً كي يسعى بتلفيقه مثل هذه الأخبار لإثبات أي من الآراء الشيعية وربما كان الأكثر إقناعاً هو قيامه بتلفيق أخبار أخرى يُنسب فيها مدح الشيخين للإمام علي(ع) على غرار المروية التي استدل بها الباحث سابقاً .
    إن محاولة الباحث إسقاط مدونات تاريخية كاملة لمجرد توهين مصداقية بضعة مرويات لا تتوافق مع توجهاته بهذا الشكل الانفعالي لا يمكن اعتباره نقداً علمياً بقدر ما هو رفض ساخط نظراً لكم الحرج الذي تسببه هذه المرويات لما يروجه من أفكار، ولا يعدو الأمر حينئذ أن يكون سعياً جديداً للسيطرة على التاريخ تمهيداً لاستغلاله واستخدامه في مواجهة المخالفين، وهو يشبه تماماً الدعوات التي يطلقها الباحثين السلفيين لتنقية مصادر التاريخ الإسلامي من المرويات المعارضة للصحابة بغض النظر عن صحتها .
    كما استخدم أحمد الكاتب نفس هذا الأسلوب أثناء نقده لمروية ابن عبد ربه في العقد الفريد، وما نسبه الشهرستاني في الملل والنحل للنظام المعتزلي من أقوال حول موضوع الإمامة، فقد اتهم ابن قتيبة بأن مرويته بلا سند أو دليل، على أن نفس هذه المروية ذكر البلاذري الجزء الأخير منها في كتابه أنساب الأشراف : " حدثنا سلمة بن صقر، وروح بن عبد المؤمن قالا، حدثنا ابن عبد الوهاب الثقفي، أنبأ أيوب، عن ابن سيرين قال : قال أبو بكر لعلي رضي الله تعالى عنهما : أكرهت إمارة ؟ قال : لا ولكني حلفت أن لا أرتدي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم برداء حتى أجمع القرآن كما أنزل "(105)، أما مروية ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد كما نقلها الباحث فهي : " أمر أبي بكر لعمر بمقاتلة علي والعباس والزبير الذين قعدوا في بيت فاطمة "حتى بَعث إليهم أبو بكر عمرَ ابن الخطاب ليُخرِجهم من بيت فاطمة، وقال له : إِن أبوا فقاتِلْهم. فأقبل بقَبس من نار على أن يُضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمةُ، فقالت: يا بن الخطاب، أجئت لتُحرق دارنا؟ قال : نعم، أو تدخلوا فيما دخلتْ فيه الأمة. فخرج علي حتى دخل على أبي بكر فبايعه، فقال له أبو بكر: أكرهتَ إمارتي ؟ فقال: لا، ولكني آليتُ أن لا أرتدي بعد موت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى أحفظَ القرآن، فعليه حَبست نفسي " ويلاحظ أن الجزء الأخير من المروية يكاد يكون متشابه نصاً مع الجزء المروي في كتاب أنساب الأشراف والذي تشير صيغته أنه تم اقتطاعه ولم ينقل كاملاً، مما قد يشير إلى وحدة السند في المرويتين، أو على الأقل انتشارها من الناحية العلمية خاصة أن البلاذري روى مروية أخرى شبيهة لها : " المدائني، عن مسلمة بن محارب، عن سليمان التيمي، وعن ابن عون : أن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة، فلم يبايع . فجاء عمر، ومعه فتيلة . فتلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة : يا ابن الخطاب، أتراك محرقاً علي بابي ؟ قال : نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك . وجاء علي، فبايع وقال : كنت عزمت أن لا أخرج من منزلي حتى أجمع القرآن "(106) .
    ورغم أن هذه المروية تواجه مشكلة حقيقية في نسبتها مبايعة الإمام علي(ع) للخليفة قبل وفاة فاطمة وعدم رفضه لخلافة أبي بكر، فإن القدر القليل الذي روته من عنف عمر تجاه الزهراء(ع) مثل استفزازاً للباحث دفعه إلى اللجوء لأسلوبه المعتاد في تبسيط أي حدث يمثل حرجاً له : " وإذا صحت هذه الرواية، فإنها لا تحمل في طياتها أكثر من كشف البيت أو تفتيشه، دون اعتراف باستعمال العنف أو تهديد بإحراق البيت على فاطمة الزهراء عليها السلام. ولكن الأمور تتطور عادة عبر التاريخ، ومن الأصدقاء إلى الأعداء، فتصبح الحبة قبة، والأسطورة حقيقة " وربما يمكن للباحث نفي كلمة عنف عن ممارسة اكتفت فقط بالتهديد بالإحراق وتفتيش البيت أو كشفه، إلا أنه في ذات الوقت ينقض ادعائه السابق عن العلاقات الودية بين الإمام علي(ع) والسلطة الجديدة إذا كانت هذه السلطة تواجه الإمام بذات الإجراءات التي تتخذها أي سلطة قمعية تجاه الزعماء المعارضين لسياستها .
    وهذا التناقض بين الافتراضات التي يطرحها الباحث حول هذه الدراسة وقع فيه الباحث مرة أخرى حينما ذكر في نقده للشهرستاني أن : " مجرد نقل أي كاتب لأي خبر، حتى لو كان عاريا من الدليل، لا يجعله صحيحا وصادقا، ومتواترا " وهي قاعدة نقدية حقيقية إلا أنه لم يلتزم بها ولم يحتمل ذات الاحتمال فيما نقله من نصوص تظهر وجود حالة من المودة من الأئمة (ع) تجاه الخليفتين ولم يمارس أي قدر من النقد تجاه هذه النصوص رغم نقاط ضعفها .
    وقد ارتكب الباحث خطأ غير مقبول أو مبرر حيث رفض بشكل اندفاعي الآراء التي نسبها الشهرستاني في الملل والنحل لإبراهيم بن سيار النظام المعتزلي، والذي اتهم عمر بالاعتداء على الزهراء حتى إسقاطها لحملها والسعي لإحراق منزلها أثناء تواجدها فيه مع الإمام علي(ع) والحسن والحسين، وهذه الآراء لم ترق للباحث الذي لم يفكر في وسيلة لنقد المروية سوى اتهام الشهرستاني بتلفيق هذه الأقوال للنظام دون عرض أي دليل لأسباب هذا الاتهام خاصة أن النظام وجه اتهامات أخرى للإمام علي(ع) وللصحابي عبد الله بن مسعود وعرضها الشهرستاني في نفس النص(107)، بما يتوافق مع جرأة المعتزلة عموماً في توجيه اتهاماتهم وانتقاداتهم للصحابة(108) وهو قد يعد دليلاً على صحة نسبة هذه الآراء للنظام المعتزلي أكثر مما يعد دليلاً على تلفيقها له .
    ومع أن الباحث لم يستند إلى أي استدلال أو افتراض بنى على أساسه هذه الأحكام المندفعة تجاه هذا النص، فقد اعتبرها حقيقة واقعية كما لو كان يرغب في فرضها عنوة على ذهنية الآخر مدعياً مرة أخرى أنها تفتقد للدليل والتواتر .
    في تمهيد الباحث لنقده بعض المرويات التي يستدل بها الشيعة على حدوث عنف تجاه الزهراء(ع) وضع الباحث تحليلاً لأسباب ذيوع هذا الحدث على وجه الخصوص بين الشيعة حيث اعتبر أن السبب الرئيسي هو الخلاف السياسي بين المشروعين السُني والشيعي : " إن حدثاً جزئياً كموضوع كشف بيت فاطمة الزهراء، وإخراج من تحصن فيه من الصحابة، وإجبارهم على البيعة لأبي بكر، لو ثبت ذلك، كان يمكن أن يطوى مع التاريخ، ويذهب مع الزمان، في خضم الأحداث والتطورات الكبرى الإيجابية والسلبية التي أعقبت ذلك، ولم يكن ليستوقف الأجيال اللاحقة على مدار الزمن، لو كان المسلمون ينظرون إلى تلك الحقبة ورجالها نظرة شخصية، ولم يضفوا عليها مسحة دينية إيجابية وسلبية، إيجابية من طرف ما عرف بأهل السنة، وسلبية من طرف ما عرف بالشيعة، وذلك بعد أن حاول أهل السنة اعتبار تجربة الصحابة مقدسة ومصدرا من مصادر التشريع في الإسلام، ورووا عن الرسول الأعظم (ص) قوله : " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " . في الوقت الذي حاول الشيعة إضفاء هالة من القدسية على أئمة أهل البيت واعتبروهم مصدرا ملحقا بمصادر التشريع إلى جانب القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وخاصة بعدما قال الإماميون بنظرية النص في الخلافة وكونها امتدادا للنبوة " .
    إن هذه العبارة للباحث تحمل بالفعل قدراً كبيراً من الصحة في بعض أجزائها، حيث جرى تضخيم عدة قضايا في التاريخ الإسلامي وإكسابها قدراً كبيراً من القدسية كونها استخدمت في هذه المواجهة بين المشروعات المذهبية المختلفة .
    لقد شهدت المرحلة الأولى من العصر العباسي ذروة الصراع الفكري والعقائدي بين المذاهب الدينية، والذي نتج عن تشجيع الخلفاء العباسيين في عهد أبو جعفر المنصور وبالتحديد في سنة 145 هـ لعملية تدوين العلوم وحرصهم – حتى عصر المأمون – على عدم إعلان الانتماء أو تأييد أي منها تأييداً خاصاً، وقد مثل التاريخ أحد أدوات الطعن المتبادل في الشرعية لدى المذاهب المختلفة، حيث قام الرواة المنتمون للمذاهب المختلفة بعمليات استغلال للحدث التاريخي في المواجهات العقائدية بطرق متنوعة كالاختلاق والمبالغة على الحدث الأصلي، وقد أدت هذه المحاولات إلى تحول هذه الاختلافات والمبالغات لقواعد عقائدية لا مجال للاستغناء عنها في مواجهة الآخر، وفي مواجهة عمليات التحول المتبادلة بين المذاهب، حيث لجأ أتباع المذاهب المختلفة لاستخدام هذه الاختلافات لتهييج المشاعر والعواطف المذهبية تجاه الآخر بهدف إيجاد حواجز ما بين الأتباع وبينه وإيقاف محاولات الاجتذاب والتحول .
    على أن كشف بيت الزهراء(ع) لا يمكن اعتباره حدثاً جزئياً، رغم محاولة الباحث التقليدية للتقليل من أهميته أو مدلوله، فمع ما يحمله أهل البيت (ع) من قدسية، فإن هذا الأسلوب الذي استخدمته السلطة الجديدة مع الإمام علي(ع) والزهراء(ع) لا يعبر سوى عن عداء واضح، ويمثل تدليل على رفض أهل البيت (ع) للسلطة الجديدة وهو بالتالي يعد طعناً في شرعيتها، كما أنه يشكك في مصداقية كل هذه المرويات التي تم الترويج لها في عهد الخلفاء السابقين على الإمام علي(ع) وفي العهد الأموي عن فضائل الشيخين وغيرهما من الصحابة المؤيدين لهما وهم القاعدة التي تعد أساساً لبعض المذاهب .
    لقد صمد هذا الحدث في الذهن الإسلامي طوال فترة العهد الأموي والتي جرى فيها السعي بكل الطرق لتقديم سيرة الشيخين بالإضافة إلى سيرة الخليفة الثالث عثمان بن عفان كمصدراً شرعياً للسلطة الأموية وكمعبر أوحد عن الحكم الصحيح في الإسلام، في مقابل التعمية على أهل البيت (ع) أو اختلاق مرويات كاذبة بحقهم وذلك من منطلق ما مثله أهل البيت (ع) من قدسية خاصة في الوعي الإسلامي والتي فشل الأمويون عموماً في تجاوزها أو تشويهها رغم كل ما استخدموه من وسائل إعلامية، ومن غير الممكن عدم إضفاء مسحة دينية على هذه الشخصيات – كما يدعو إليه الباحث - والتي اكتسبت مصداقيتها عموماً من خلال فترة كفاحها أو قربها من النبي (ص)، وبالتالي فإن من الطبيعي أن ينظر إلى ممارساتها من خلال ما يقبله الدين الذي كافحت من أجله، وهي نظرة تنوعت طبيعتها عقب وفاة النبي (ص) مباشرة مع الصراع الذي حدث بين هذه الشخصيات وانقسام المسلمين في تأييد أي من الطرفين .
    فالنظرة الإيجابية أو السلبية لهذه الأحداث هي نتيجة طبيعة لهذا الخلاف وليست نتيجة مختلقة أو مفتعلة في مرحلة متأخرة من التاريخ الإسلامي، وهو ما حاول الباحث افتراضه فيما بعد حيث لجأ للتأكيد على اختلاق الإماميون للنصوص التي تؤيد نص النبي (ص) على الإمام علي(ع) بالإمامة، واختلاقهم لتأويلات قرآنية تؤيد هذا الاتجاه، وهو ما دفعهم لاختلاق بعض الأحداث التاريخية كتأكيد لهذه النظرية في حين أن تاريخ الإمام علي(ع) ذاته يكذب هذه الرؤية – حسب رأي الباحث – ثم يتساءل : " فكيف يصح النص على الإمام بالخلافة ويقوم هو بالتنازل عن "حقه الشرعي" طواعية ويبايع أبا بكر ؟ إذن لا بد أن يكون هناك عنف وإرهاب وقمع واستضعاف له " يثبت " أنه بايع تحت الضغط والإكراه، وان بيعة أبي بكر كانت باطلة، وكذلك مبدأ الشورى والاختيار " .



    98 - - أحمد بن يحيى البلاذري . م . س . ج 1 ص 586، 587 .
    99 – م . س – ج 1 ص 587 .
    100 - ابن قتيبة الدينوري . م . س . ج 1 ص 7 .
    101 – محمد باقر المحمودي . نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة . بيروت (بدون ذكر سنة الطبع) . طبعة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات . ج 1 ص 44 .
    102 – م . س . ج 1 ص 44 – 46 . نقلاً عن ابن أبي الحديد .
    103 – ابن حجر العسقلاني . لسان الميزان . م . س . ج 4 ص 194، 195 / أحمد بن علي الخطيب البغدادي . تاريخ بغداد . بيروت . طبعة دار الكتب العلمية . نسخة كومبيوترية . موقع www.sahab.org . ج 12 ص 39، 40 .
    104 - ابن قتيبة الدينوري . م . س . ج 1 ص 7 .
    105 - أحمد بن يحيى البلاذري . م . س . ج 1 ص 587 .
    106 – م . س . ج 1 ص 586 .
    107 - الشهرستاني . م . س . ج 1 ص 65 .
    108 – أحمد أمين . ظهر الإسلام . القاهرة 1964 . مطبعة النهضة المصرية . الطبعة الثالثة . ج 4 ص 31 – 40 .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    أشرب نخبك أيتها الأشياء الجميلة في العالم .. أنا الأكثر زوالاً والأكثر إيماناً والأكثر خوفاً .. الذي يخشى الموت أكثر منكن جميعاً

  4. Top | #4

    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.02
    المشاركات
    138

    مشاركة: نقد أحمد الكاتب (رؤيته للاعتداء على الزهراء(ع) نموذجاً)

    إن هذا التساؤل هو الأساس الذي اعتمد عليه الباحث في التشكيك بوجود نص من النبي (ص) على الإمام علي(ع)، فإذاً، وحسب هذا التساؤل للباحث، إذا كان هناك نص من النبي (ص) للإمام علي(ع) فإن هذا يؤكد المرويات التي تشير لحدوث عنف أو اضطهاد ضد الإمام من قبل السلطة الجديدة والتي لجأت لهذا الأسلوب سعياً لتجاوز هذه الشرعية عن طريق استخدام القوة، وليس ثمة جديد يقدمه أي ناقد في هذا المجال في حال طرح كم الأحاديث الدالة على هذا النص، والتي امتلئت بها الكتب المذهبية لدى الفريقين، ولم يسعى حتى السُنة إلى نقدها بقدر ما سعوا إلى محاولة تأويلها بما لا يتعارض مع مذهبهم، إلا أن التعامل التاريخي مع هذه الأحداث يظل هو الأساس في نقد هذه الدراسة التي تتناول حادثة تاريخية .
    إن فكرة وجود نص على الإمام علي(ع) كانت راسخة في الأوساط الشيعية عموماً وفي أوساط العلويين على وجه الخصوص، بما لا يمكن لأي باحث تاريخي إنكاره بمثل هذه السهولة التي يستخدمها أحمد الكاتب والتي تعتمد على إطلاق الأحكام العامة دون استدلال حقيقي وتجاوز بشكل شعاراتي أكثر مما هو حكم تاريخي يقوم على أدلة .
    إن التأكيد على هذا النص بدأ عن طريق الإمام علي(ع) ذاته والذي سعى لإحيائه والاستدلال به عقب توليه الخلافة سنة 35 هـ كما نقل عنه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : " ولأحمد عن أبي الطفيل قال : جمع علي الناس سنة خمس وثلاثين في الرحبة، ثم قال لهم : انشد بالله كل امرئ مسلم سمع رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول يوم غدير خم ما قال لما قام، فقام إليه ثلاثون من الناس، فشهدوا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال : " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه "(109) إن أهمية هذه المروية تنبع من توضيحها للكيفية التي فهم بها الإمام علي(ع) نص غدير خم والتي تنحاز بشكل واضح لرأي الشيعة .
    وهذا التصور انتشر بشكل واضح حتى قبل خلافة الإمام علي(ع) وهو ما أطلق عليه المؤرخون السنة لقب " السبئية "، وبغض النظر عن حقيقة وجود شخصية عبد الله بن سبأ فإن هذا اللقب كان يطلق عموماً على الشيعة المؤمنين بوجود نص من النبي (ص)، والمؤكد أن هذه الآراء التي نُسبت للسبئية كان مقبولة لدى بعض الصحابة كأبي ذر وعمار بن ياسر ومحمد بن أبي حذيفة، وصعصعة بن صوحان، ومحمد بن أبي بكر، ومالك الأشتر، وعبد الرحمن بن عديس البلوي، أبي الطفيل عامر بن وائلة(110) ولم تجد المدونات التاريخية السُنية مبرراً لهذا الاعتقاد لدى الصحابة سوى الادعاء بتعرضهم لخديعة على يد شخصية مجهولة من أصول يهودية كان لها الفضل في إقناعهم بهذه العقائد(111)، وبغض النظر عن سذاجة هذا التبرير، فالحقيقة الثابتة تشير إلى أن الاعتقاد بوجود نص حول الإمام علي(ع) كان متواجداً ومتداولاً في تلك الفترة، وتذكر المصادر التاريخية العديد من الأدلة على وجود هذا الاعتقاد لدى الصحابة، فيروى عن أبي ذر الغفاري أنه كان يقول في عهد عثمان : " محمد وارث علم آدم وما فضل به النبيون، وعلي بن أبي طالب وصي محمد، ووارث علمه . أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها ! أما لو قدمتم من قدم الله، وأخرتم من أخر الله، وأقررتم بالولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم "(112).
    وقد استمر تداول هذه الفكرة في الأوساط الشيعية طوال المراحل الزمنية اللاحقة، فالمدونات الرجالية السُنية تصف أبي هاشم بن محمد بن الحنفية بكونه من السبئية وراوي لأحاديثهم في إشارة إلى اعتقاده بوجود وصية للإمام علي(ع)(113) .
    وفي العهد العباسي أدى الخلاف ما بين العلويين والعباسيين إلى شيوع هذا المعتقد بشكل كبير، وقد استدل محمد بن عبد الله الحسني بوصية النبي (ص) للإمام علي(ع) لإثبات حق العلويين في رسالته لأبي جعفر المنصور سنة 145 هـ : " وأن أبانا علياً كان الإمام، فكيف ورثتم ولايته دون ولده "(114)، ويقول في رسالته إلى أتباعه : " فلما قبض رسول الله كان أولاهم بمقامه، ليس لأحد مثله في نصرته لرسول الله وأخ ليس لهم مثله له جناحان يطير بهما في الجنة، وعم له هو سيد الشهداء في جميع الأمم، وابنان هما سيدا شباب أهل الجنة، وله سيدة نساء العالمين «زوجة» ... فأوصى بها أبو بكر إلى عمر عن غير شورى، فقام بها عمر وعمل في الولاية بغير عمل صاحبه، وليس بيده منها عهد من رسول الله ولا تأويل من كتاب الله "(115) .
    إن الادعاء بأن عقيدة النص على الإمام علي(ع) هي عقيدة نشأت في مرحلة متأخرة، أو عقيدة تمت صياغتها بعيداً عن البيت العلوي والصحابة المقربين له يصطدم بالعديد من الدلائل التاريخية التي تؤكد أن هذا المعتقد كان راسخاً بين العلويين وأتباعهم وهم من تولوا نشره وترويجه سواء قبل خلافة الإمام علي(ع)، أو في أثناء الصراع مع الأمويين والعباسيين .
    إن النصوص التي تنقلها المدونات السُنية ضد عقيدة النص تمثل أكبر إثبات على وجود هذه العقيدة منذ عهد النبي (ص) وكونها كانت محل خلاف بين اتجاهين من المسلمين عقب وفاة النبي (ص)، وعلى سبيل المثال وجه سؤال للسيدة عائشة عن إن كان هناك وصية للإمام علي(ع) فأجابت : " متى أوصى إليه فقد كنت مسندته إلى صدري – أو قالت : حجري – فدعا بالطست فلقد أنخنث في حجري وما شعرت أنه قد مات، فمتى أوصى إليه "(116)، ولا ريب أن هذه المقولة للسيدة عائشة كانت في مرحلة الخلاف مع الإمام علي بن أبي طالب(ع)، وإنكارها للوصية بهذا الشكل إلى درجة ادعاء أنها كانت آخر من شهد النبي (ص)، ناتج عن إذاعة الإمام علي(ع) لها بما يعني الطعن في شرعية إمامة والدها الخليفة الأول .
    لقد شهد موقف السيدة عائشة تغيراً في مرحلة لاحقة عندما اعترفت أن الإمام علي(ع) هو آخر من شهد النبي (ص) كنتيجة لحالة العداء التي نشأت بينها وبين السلطة الأموية عقب قتل شقيقها عبد الرحمن في ظروف غامضة لرفضه مشروع معاوية بمبايعة ابنه يزيد كخليفة من بعده(117)، ولا مجال للجمع بين هذه المرويات المتعرضة لأم المؤمنين سوى أنها – فيما يخص الإمام علي – كانت تُخضع مروياتها لمصالح التيار السياسي الذي تؤيده، وهي لم تكن لتتكلف محاولة إنكار حقيقة كون الإمام علي(ع) هو آخر من شهد النبي (ص) في حال كانت العلاقة بينه وبين والدها الخليفة الأول بمثل هذا القدر من الود والمثالية التي يوحي بها الباحث .
    لقد ربط الباحث في عبارته السابقة بشكل متعسف بين خلافة أبي بكر ومبدأي الشورى والاختيار، ورغم أنه قد سبق توضيح عدم وجود علاقة بين التجارب السابقة على الإمام علي(ع) وبين نظريتي الشورى والاختيار، إلا أنه من الضروري توضيح حقيقة النظريات السياسية التي ترتبط بهذه التجارب في الحكم .
    ومن الغريب أن أحمد الكاتب لم يوضح بالضبط ما هي نظرية الاختيار والشورى التي استقاها من هذه التجارب ؟ أو كيف استدل على الشورى من المرويات التاريخية التي تروي أساليب اعتلاء هؤلاء الخلفاء للسلطة ؟ وما هي بالضبط الانتقادات التي يوجهها لعقيدة النص بالإمامة ؟ .
    إن فكرة الشورى والاختيار لا يمكن اعتبارها متحققة في هذه التجارب والتي رسخت نظريتين أساسيتين : الأولى : أن الحكم في التشريع الإسلامي هو حق لقريش حسب قول أبي بكر للأنصار : " لم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً "(118)، أو ما رواه الإمام أحمد في مسنده أن أبو بكر قال لسعد بن عبادة أثناء السقيفة : " ولقد علمت يا سعد أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال وأنت قاعد : قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم "(119)، فالشورى حتى لو كان لها وجود فهي قاصرة على اختيار شخصية من القرشيين، وتم تجاهل الأنصار والمسلمين الآخرين سواء من الشورى أو تولي السلطة، وهي نظرية تقوم على العصبية القبلية وتتنكر لحقيقة أن العديد من القرشيين كانت لهم مشاعرهم العدائية ضد الإسلام ورغم ذلك فقد صار من حقهم تولي السلطة وخلافة النبي (ص) لمجرد انتماؤهم لقريش .
    أما الثانية : منح الخلفاء سلطة التوصية بمن يلي هذا المنصب من بعدهم بغض النظر عن رأي المسلمين، وذلك حسب الأسلوب الذي تولى به عمر بن الخطاب للسلطة(120)، وهو أسلوب لا يمكن لأحمد الكاتب وصفه بالشورى إطلاقاً .
    على أن الباحث يبدأ في مرحلة تالية باستخدام لغة الاتهام المبطن والتي قد توفر عليه الاضطرار لتقديم أي دلائل أو رؤية محددة، وعلى الرغم من أنه يتهم المؤلفين من الإمامية باختلاق نصوص تاريخية تؤيد تصورهم الجديد عن الإمامة الإلهية، إلا أن اتهاماته اتجهت إلى الطعن حتى في مرويات المدونات السُنية بلهجة غامضة ولا توضح من المقصود بالاتهام على وجه التحديد هل هم المؤلفون الشيعة أم المؤلفون من السُنة ؟ : " ولكي تتم الصورة، لا بأس بأن تروى قصة التهديد بحرق الدار عن حفيد عمر بن الخطاب عن ابن مولاه زيد بن أسلم . كما في رواية ابن أبي شيبة . وإذا لم تنهض الروايات "السنية " بتشكيل الصورة "التاريخية" فلا بأس أيضا بأن تنسج روايات خاصة "شيعية" حول الموضوع ، ويضاف إليها الكثير " وقد يكون من المقبول أن يتهم الباحث المؤلفون الشيعة بتلفيق مرويات في مدوناتهم – بغض النظر عن صحة أو خطأ هذا الاتهام – إلا أنه من غير المفهوم أو المقبول أن يدعي بأن الشيعة قد قاموا بتلفيق مرويات في المُدونات السُنية، كما يبدو ظاهراً من نصه السابق، فبالإضافة إلى أنه لا يملك دليل على هذا التخمين غير المحدد أو الواضح فإن قيام الشيعة بهذا التصرف تجاه المدونات السُنية يبدو صعباً مع حالة الاضطهاد الديني والسياسي التي تعرضوا لها، من قبل الحكومات المتعاطفة مع المذهب السُني، وما مارسه علماء السُنة والمذاهب المختلفة من رقابة على المؤلفات المنسوبة لمذاهبهم، وكانت قادرة على نفي أو رفض أي كتاب ينسب إليها في حين لا يعبر تماماً عن معتقداتها، ولعل حادثة طرد المعتزلة لابن الراوندي من بين صفوفهم لاختلافه معهم في بعض التعاليم الأساسية التي روج لها بمؤلفاته هي المثال الأكثر شهرة على حالة الانضباط والرقابة على المؤلفات المذهبية من قبل المنتمين لها(121)، خاصة مع حالة الصدام المذهبي التي سادت في الدولة العباسية وخشية علماء كل مذهب من استغلال منظرو المذاهب الأخرى لمثل هذه الثغرات في المناظرات المذهبية، وهنا نتساءل عن دور علماء السُنة في فضح واكتشاف هذا التلفيق في كتبهم ؟
    إن كتاب " الإمامة والسياسة " لابن قتيبة الدينوري والذي طعن فيه الباحث رغم لجوءه إليه في مرويات هي من الأسس التي قام عليها بحثه، نموذج صريح للمصادر السُنية التي تناولت مرويات الاعتداء على أهل البيت (ع) عقب سقيفة بني ساعدة، وبينما يشكك السلفيون – في العصر الحديث – في نسبة هذا الكتاب لابن قتيبة الدينوري ونقل الباحث هذا الرأي عنهم كالعادة بشكل سلبي غير واعي دون طرح أي دليل، يعترف أكثر المؤلفين السنيين تعصباً وهو أبو بكر بن العربي المالكي (ت / 543 هـ) بنسبة هذا الكتاب إليه في كتابه العواصم من القواسم : " ومن أشد شيء على الناس جاهل عاقل، أو مبتدع محتال . فأما الجاهل فهو ابن قتيبة، فلم يبق ولم يذر للصحابة رسماً في كتاب (الإمامة والسياسة) "(122)، ورغم غضب المؤلفين السُنة من وجود مثل هذه المرويات في مدوناتهم وما تمثله لهم من حرج أحياناً ومحاولة بعضهم إخفاءها بشكل مفضوح كما فعل محمد بن جرير الطبري بالرسائل المتبادلة بين محمد بن أبي بكر ومعاوية بن أبي سفيان في تاريخه : " أن محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان لما ولي فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعها العامة "(123) فإن أحد منهم لم يلجأ إلى الطعن في المصادر السنية التي تناولت الحادثة أو الادعاء بأن الشيعة هم من لفقوا هذه الأخبار فيها، وهذا الأسلوب لجأ إليه السلفيين بسبب حالة الخصومة العقائدية بينهم وبين الشيعة، وتطبيقهم لمنهجهم الذي يعتمد على النظر للتاريخ كما يريدونه هم وكما يخدم مصالحهم المذهبية لا كما هو حقيقي وواقعي، وهو منهج لخصه ابن العربي في كتابه سالف الذكر : " إنما ذكرت لكم هذا لتحترزوا من الخلق، وخاصة من المفسرين، والمؤرخين، وأهل الآداب، فإنهم أهل جهالة بحرمات الدين، أو على بدعة مصرين، فلا تبالو بما رووا، ولا تقبلوا رواية إلا عن أئمة الحديث، ولا تسمعوا لمؤرخ كلاماً إلا للطبري، وغير ذلك هو الموت الأحمر، والداء الأكبر "(124)، فرغم انتماء هؤلاء المفسرين، والمؤرخين، وأهل الآداب للمذهب السُني فإن هذا لم يشفع لهم لدى ابن العربي لأنهم لا ينظرون إلى التاريخ بنفس أسلوبه وأسلوب أهل الحديث، والوحيد الذي حصل على اعترافه هو محمد بن جرير الطبري، ربما للجوئه إلى أسلوب الإخفاء المرويات المثيرة للإزعاج والحرج .



    109 – السيوطي . م . س . ص 158 .
    110 – مرتضى العسكري . م . س . المجلد الأول . ص 36 / عبد الحسين شرف الدين . م . س . ص 83 .
    111 – مرتضى العسكري . م . س . المجلد 1 . 31 – 41 .
    112 – أحمد بن واضح اليعقوبي . م . س . ج 2 ص 171 .
    113 – جمال الدين المزي . م . س . ج 16 ص 30 .
    114 – أبو العباس أحمد بن إبراهيم . المصابيح . تحقيق / عبد الله بن عبد الله بن أحمد الحوثي . صنعاء 1999 . طبعة مؤسسة الإمام زيد الثقافية . نسخة كومبيوترية . (فصل / الإمام محمد بن عبد الله بن الحسن النفس الذكية . فقرة / مكاتبات بين النفس الذكية والسفاح) .
    115 – م . س . (فصل / فصل / الإمام محمد بن عبد الله بن الحسن النفس الذكية . فقرة / كتابه إلى خواص أصحابه) .
    116 – مسلم بن الحجاج النيسابوري . صحيح مسلم . نسخة كومبيوترية . موقع www.sahab.org. ج 3 ص 79 .
    117 – مرتضى العسكري . معالم المدرستين . قم 1996 . طبعة المجمع العلمي الإسلامي . ج 1 ص 335 – 340 .
    118 – جلال الدين السيوطي . م . س . ص 63 .
    119 – م . س . ص 65 .
    120 – م . س . ص 122 .
    121 – أحمد أمين . م . س . ج 4 ص 12، 13 .
    122 – أبو بكر ابن العربي . العواصم من القواسم . تحقيق / محب الدين الخطيب . تعليق / محمود مهدي الاستانبولي . القاهرة 1405 هـ . ص 261 .
    123 – الطبري . م . س . ج 3 ص 68 .
    124 – ابن العربي . م . س . ص 260 .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    أشرب نخبك أيتها الأشياء الجميلة في العالم .. أنا الأكثر زوالاً والأكثر إيماناً والأكثر خوفاً .. الذي يخشى الموت أكثر منكن جميعاً

  5. Top | #5

    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.02
    المشاركات
    138

    مشاركة: نقد أحمد الكاتب (رؤيته للاعتداء على الزهراء(ع) نموذجاً)

    ومن الطريف أن يتجاوز الباحث بشكل صارخ في هذا النص عن أحد القواعد الأربعة التي وضعها سابقاً بما يشكل توضيحاً لأسلوبه في التعامل مع التاريخ، فرغم تحذيره المتطرف في القاعدة الرابعة من اللجوء للافتراض والتخمين في طرح القضايا التاريخية، لجأ في هذا النص وبتناقض صارخ لاستخدام قدراً متطرفاً يتجاوز الافتراض والتخمين إلى درجة التخيل البحت، ولا يعني هذا التناقض سوى وقوع أحمد الكاتب في خطأ إخضاع المنهج – إذا اعتبرناه كذلك – للنتيجة المفترضة .
    إن زمن هذا التلفيق حسب تصور الباحث هو القرن الثالث أو الرابع الهجري، وهذا التحديد الزمني من قبل الباحث يرتبط بغياب أئمة أهل البيت (ع) ووصول نظرية الإمامة إلى طريق مسدود – حسب تعبيره – في دلالة بارزة على غياب العقل الإسلامي وانحدار الحضارة الإسلامية .
    إن الفترة الزمنية التي يعنيها الباحث هي بشكل أكثر دقة تبدأ من العام 260 هـ وتمتد لتشمل القرن الرابع الهجري، يقول الباحث : " وإذا ما عدنا إلى أواسط القرن الثالث الهجري، فانا سوف نواجه ما يسمى بـ : " الحيرة " التي ضربت الشيعة الإمامية بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر) سنة 260 هـ دون خلف ظاهر معروف، وهو ما أدخل شيعته في أزمة حادة أدت إلى تفرقهم إلى أكثر من أربع عشرة فرقة، وافتراض بعضهم (وهم الأثنا عشرية) وجود ولد مستور له، قالوا انه غائب وسوف يظهر في المستقبل ... ومن ذلك الحين لم يظهر الإمام المفترض الغائب "محمد بن الحسن العسكري" مما أدى إلى أن تصبح النظرية الإمامية نظرية تاريخية وهمية غير قابلة للتطبيق . ومع ذلك فان أنصار النظرية ظلوا يتحمسون لتأييد نظريتهم ونقد نظرية الشورى والاختيار، ويحاولون قراءة التاريخ بشكل مغاير لسلوك أهل البيت والإمام علي، وكتابته من جديد. ومن أجل ذلك تشبثوا بحكاية تهديد عمر بحرق بيت فاطمة الزهراء، وحولوا التهديد المفترض إلى واقع تاريخي ثابت، وأضافوا على الحادث كثيرا من الرتوش الأخرى مثل ضرب الزهراء وعصرها وراء الباب وكسر ضلعها وإسقاط جنينها "محسن" ووفاتها على إثر ذلك " .
    إن هذا التحديد الزمني للمرويات المتعرضة للاعتداء على أهل البيت (ع) قد يكون موضع مناقشة بالنسبة للمدونات الشيعية، إلا أنه ليس كذلك بالنسبة للمرويات الواردة عن طريق الرواة السُنة في المدونات السنية، والتي ذكرت هذه الحوادث نقلاً عن مدونات لمؤلفين سُنة عاشوا قبل القرن الثالث، أو كانت وفاتهم في أوائل القرن الثالث مما يعني أن نشاطهم العلمي كان في القرن الثاني كالمدائني (ت / 224 هـ) وسعيد بن كثير بن عفير (ت / 226 هـ)، وابن أبي مريم (ت/ 253 هـ) وقد وجدت في مؤلفات كتاب سُنة عاصروا الأئمة (ع) كابن قتيبة (ت / 270 هـ)، والبلاذري (ت / 277 هـ)، والطبري (ت/310 هـ) ولم يصدر نقد لآرائهم من قبل الأئمة (ع)، وهؤلاء العلماء كتبوا مصنفاتهم تحت رقابة الدولة العباسية المعادية للشيعة تقليداً من منطلق ارتباطهم بجهاز الحكم العباسي بشكل أو بآخر، وبالتالي فلم تكن لهم مؤثرات أو عواطف شيعية، بل أن المؤلفين ذوي الاتجاهات الشيعية كاليعقوبي (ت / 284 هـ) والذي كان يعمل في الإدارة العباسية ومع خضوعه – حسب وضع وظيفته – لرقابة العباسيين إلا أنه ذكر هذه الحادثة، مما يعطي تصور عن أن هذه الأحداث كانت متفق عليها بين المؤرخين وإن وجدت اختلافات حول المدى الذي وصل إليه الخلاف والصراع بين أهل البيت (ع) والسلطة، وتأخر تدوين هذه المرويات مرتبط بالأساس بتأخر عملية تدوين العلوم في العالم الإسلامي عموما حتى سنة 143 هـ عندما سمح بها أبو جعفر المنصور بعد أن كانت ممنوعة في العهد الأموي(125).
    وفي كل الأحوال لا يمكن للباحث إطلاق مثل هذا الحكم بكل بساطة كعادته في هذه الدراسة خاصة أن أقصى دلائله هو احتياج الشيعة لمثل هذه الحوادث التاريخية لتماسك نظرية الإمامة عقب اختفاء الإمام المهدي(عج)، وهذا الدليل رغم معقوليته الظاهرية إلا أنه لا يعني كون الحادثة ملفقة خاصة مع وجودها بكثافة في المدونات السُنية وإن كانت بعض المرويات لجأت لتحريف نهايات الصراع بما لا يتناسب مع بداياته، إلا أنه قد يعد تبرير لسبب تطرف بعض الشيعة في ربط هذه الحادثة بالإمامة، وهذا الاتجاه في تحميل القضايا التاريخية بُعداً عقائدياً ليس خاصاً بالشيعة فقط، بل هو أسلوب تستخدمه كل التيارات الدينية المتصارعة عموماً، وقضية عبد الله بن سبأ نموذج واضح عند السُنة .
    وبغض النظر عن رأي الباحث في عقيدة الإمامة ووجود الإمام المهدي(عج) والتي يجب نقاشها في إطار نقد مؤلفه الأساسي (تطور الفكر السياسي الشيعي)، فإنه قد وضع عقيدة الإمامة في مواجهة عقيدة الاختيار والشورى كما لو أنهما كانا عقيدتين مطروحتين في القرن الثالث الهجري وكان يجب على الشيعة الاختيار بينهما، إن هذه الافتراضات الخيالية للباحث لم يكن لها وجود في العصور الوسطى والتي لا يعد التاريخ الإسلامي شاذاً عنها، فكيف يمكن للباحث التحدث عن الشورى والاختيار في إطار سيطرة أسرة استبدادية تعتمد الإقطاع كنمط إنتاج كالأسرة العباسية ؟ وما هي الطائفة أو المذهب الذي طرح هذا المبدأ في مقابل عقيدة الإمامة والنص ؟
    لقد اشتهر الخوارج عموماً بتبني مبادئ شبيهة بالتي يدعو إليها أحمد الكاتب، إلا أن تجربتهم في الحكم في القرن الثالث الهجري لم تختلف كثيراً عن الدول الأخرى سواء من خلال الدولة الرستمية الإباضية في تاهرت، أو الدولة المدرارية الصُفرية في سجلماسة(126)، أما السُنة فقد تحالفوا مع الدولة العباسية بداية من حكم المتوكل العباسي الذي أطلقوا عليه لقب مُحيي السُنة، بعد أن استقدم المحدثين إلى سامراء، ومنحهم الأموال بسخاء(127) ومن غير المتوقع إطلاقاً أن يكون هذا الرأي مطروحاً لديهم خاصة بعد ظهور مرويات منسوبة للنبي (ص) ووصفت بالصحة في مدوناتهم تتنبأ بأن الخلافة لن تخرج من بني العباس حتى ظهور المهدي، وكان هذا الحديث أحد أسباب التي استدل بها السيوطي على عدم شرعية الخلافة الفاطمية في مقدمة كتابه تاريخ الخلفاء(128) .
    إن وصف الباحث لعقيدة الإمامة الشيعية بكونها عقيدة وهمية غير قابلة للتصديق بسبب غيبة الإمام المهدي(عج) يمثل تجاوز حانق للغاية، فانقسام الشيعة إلى 14 فرقة حول الإمام المهدي(عج) هو تصور نقله الباحث من مؤلف النوبختي فرق الشيعة(129)، وهذا العدد مبالغ فيه للغاية حيث أن مراجعة الآراء التي نادت بها هذه الفرق حول الإمام المهدي(عج) سوف يختصرها إلى 5 فرق تقريباً، فقد رأت الفرق الأولى والثانية والتاسعة والحادية عشرة أن الإمامة انتهت عند الإمام الحسن بن علي(ع)(130)، في حين رأت الفرق الثالثة والرابعة والثالثة عشرة إمامة جعفر بن علي(131)، واعتقدت الفرق الخامسة والعاشرة إمامة الأخ الثاني للإمام الحسن(ع) محمد بن علي رغم وفاته إلا أنها رأت أن الإمامة في نسله(132)، أما الفرق السادسة والسابعة والثانية عشرة والرابعة عشرة فقد اعتقدت بوجود ابن للإمام الحسن بن علي هو الإمام بعده واسمه محمد بن الحسن (عجل الله فرجه) وإن اختلفت في توقيت ولادته وكيفية ظهوره(133)، وأخيراً الفرقة الثامنة انفردت برأي غريب وشاذ عن أن " هناك حبل قائم قد صح في سرية له – الإمام الحسن بن علي(ع) – وستلد ذكراً إماماً متى ما ولدت "(134) .
    على أن من الواضح تماماً أن بعض هذه الفرق وهمية، فالفرق كالخامسة والعاشرة على سبيل المثال لا يذكر التاريخ لهما أي وجود حقيقي ولم يعرف أن أحد أبناء محمد بن علي الهادي قد ادعى الإمامة بعد الغيبة، بل اقتصر هذا الادعاء على جعفر بن الإمام الهادي(ع)، أما الفرقة الثامنة فإن رأيها الغريب يدل بشكل واضح على عدم وجودها على الإطلاق من حيث كونه غير منطقي أو مقبول في الوسط الشيعي، أما الفرق التي ذكر النوبختي أنها أيدت ادعاء جعفر للإمامة فهناك بعض الشكوك حولها خاصة أن النوبختي ذكر أن إحداها أنكرت صحة إمامة الإمام الحسن بن علي(ع) وهو رأي غير مقبول خاصة مع الأخلاقيات المعلنة والمشهورة لجعفر بن علي بما لا تمكن أي موالي لتراث أئمة أهل البيت من الاعتقاد بإمامته .
    والسمة الواضحة لهذه الفرق أن النوبختي لم يذكر أي أسماء لعلمائها أو مدونات لها، مما قد يشير إلى أنها على فرض صحة وجود بعضها لم تستمر لفترة طويلة كما لم تحز الكثير من الأتباع بين الشيعة .
    إن الملاحظ على كتب الفرق بصفة عامة هي أنها قد تُطلق لقب فرقة على أي رأي مطروح في نطاق مذهب معين حتى لو كان يفتقد إلى مؤيدين، وليس من المُستبعد أن تكون هذه الآراء قد طُرحت وعلى الأخص الدعوة لإمامة جعفر بن الإمام علي الهادي(ع)، إلا أن عدد مؤيدي هذا الاتجاه بالتأكيد لم يكن يمثل قيمة سواء من ناحية مكانتهم العلمية أو عددهم مقارنة بالشيعة الذين التزموا بولاية الإمام المهدي(عج) .
    إن حالة الحيرة التي يتحدث عنها الباحث لم تؤد بالشيعة إلى إتباع مذهب السُنة وإنما أدت بالقليل منهم إلى التوجه لفرق واتجاهات شيعية أخرى استغلت هذه الفرصة للإعلان عن وجودها كالزيدية في اليمن والاتجاه الإسماعيلي، وربما كان هذا الرفض للتخلي عن الإمامة ناتج عن وعي الشيعة عموماً بأن انتهاء الإمامة – على فرض صحته – لا يعني انتهاء المذهب الذي يقوم على أفكار وآراء عقائدية وفقهية وسلوكيات تعلموها من أهل البيت (ع) لم تتوقف كما توقفت الإمامة، وإلا فقد كان من المفروض على السُنة التخلي عن مذهبهم عقب انتهاء الخلافة العباسية قبل ظهور السيد المسيح أو المهدي حسب الحديث الصحيح لديهم، وربما من المفيد بالنسبة للباحث الإشارة إلى أن الإمامة الوحيدة المستمرة حتى الآن هي الإمامة الإباضية في سلطنة عمان، ومن غير الممكن اعتبار ذلك دليلاً على صحة المذهب الإباضي بشكل عام .



    125 – السيوطي . م . س . ص 243 .
    126 – محمود إسماعيل عبد الرازق . الخوراج في بلاد المغرب . الدار البيضاء 1985 . طبعة دار الثقافة . ص 112 – 127، 144 – 182 .
    127 – السيوطي . م . س . ص 320 .
    128 – م . س . ص 8، 16، 17 .
    129 – النوبختي . م . س . ص 96 .
    130 – م . س . ص 96 – 98 ، 105، 108 .
    131 – م . س . ص 98 – 100، 112 .
    132 – م . س . ص 100 – 102، 106 – 108 .
    133 – م . س . ص 102، 103، 108، هامش ص 96 . أورد النوبختي آراء ثلاثة عشرة فرقة فقط وقد نقل محقق الكتاب السيد الشهرستاني رأي الفرقة الرابعة عشرة من كتاب الفصول المختارة للسيد المرتضى .
    134 – م . س . ص 103 – 105 .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    أشرب نخبك أيتها الأشياء الجميلة في العالم .. أنا الأكثر زوالاً والأكثر إيماناً والأكثر خوفاً .. الذي يخشى الموت أكثر منكن جميعاً

  6. Top | #6

    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.02
    المشاركات
    138

    مشاركة: نقد أحمد الكاتب (رؤيته للاعتداء على الزهراء(ع) نموذجاً)

    نقد المرويات الشيعية


    يبدأ أحمد الكاتب نقاشه للمرويات الشيعية بتكرار لأسباب تدوينه لهذا البحث المرتبط بالعلاقات السُنية الشيعية : " إن الروايات التي تداولها الشيعة الإمامية عن الموضوع، ارتقت لدى بعضهم إلى درجة " التواتر والتضافر والإجماع " وشكلت بذلك شبهة أو عقدة في نظرتهم إلى عمر بن الخطاب. ومع إنهم لم يستطيعوا عبرها إن يعيدوا الخلافة إلى أهل البيت، ولكنهم نجحوا في زرع العداوة والبغضاء ضدهم في قلوب محبي أبي بكر وعمر من بقية المسلمين " إن نتائج تداول مثل هذه المرويات قد يكون لها بالفعل تبعات سلبية في العلاقات السُنية الشيعية ناتج عن نوع من ضعف الوعي لدى الجانبين، حيث يقوم كل منهما بإسقاط الخلفيات التاريخية على علاقته الحالية المباشرة بالآخر، إلا أن ذلك لا يعني تجاهل الحقيقة التاريخية أو تزييفها في سبيل تحسين أو تلفيق هذه العلاقات، إن تذكر المسلمين الشيعة للاعتداءات التي وقعت على أهل البيت (ع) من قبل السلطة الحاكمة ربما لن يعيد الخلافة إلى أهل البيت (ع) كما يقول الباحث بلهجة تهكمية، إلا أنه يمثل توعية بأصول الخلل الذي انتاب المجتمع الإسلامي عقب وفاة النبي (ص)، والمقدار الحقيقي لمصداقية ممارسات وأقوال الشخصيات التي تولت السلطة أو أيدتها بعد وفاة النبي (ص)، وهي ممارسات وأقوال تمثل قدراً كبيراً من الخلفيات العقائدية والفقهية لبعض المذاهب سواء المنقرضة كالمعتزلة أو التي مازالت تطرح نفسها على الساحة الإسلامية كالسُنة والإباضية، وتوضيح المكانة الحقيقية لأهل البيت (ع) في المعتقد الإسلامي .
    ويطرح الباحث بعد استعراضه لأقوال بعض علماء الشيعة عن كون هذه المرويات متواترة تساؤلاته الافتراضية المكررة حول قيمة هذه المرويات العلمية : " بعد أن اطلعنا على روايات المؤرخين "السنة" يجدر بنا أن نطلع على حقيقة روايات الشيعة، لننظر مدى قيمتها العلمية، وفيما إذا كانت حقا متواترة؟ أم ليست سوى إشاعات وأساطير وروايات غير مسندة " .
    إن المروية الأولى التي اصطدم بها الباحث هي مروية في كتاب " السقيفة " أو كتاب " المعرفة " لإبراهيم بن محمد الثقفي (ت / 280 أو 283 هـ)(135)، وكلا الكتابين مفقود وإن نقل علماء الشيعة الأوائل بعض مروياته في كتبهم، وهي : " والله ما بايع علي حتى رأى الدخان قد دخل بيته "(136) وقد نقلها السيد المرتضى الموسوي(ره) في كتاب الشافي في الإمامة، كما نقل عنه عدة مرويات أخرى ربما تمنحنا رؤية عن الأسلوب الذي بايع به الإمام علي(ع) عقب وفاة السيدة فاطمة(ع)، ولعل أهمها هذه المروية : " وروى إبراهيم الثقفي عن محمد بن أبي عمير عن أبيه عن صالح بن أبي الأسود عن عقبه بن سنان عن الزهري قال: ما بايع علي عليه السلام إلا بعد ستة أشهر، وما اجترى عليه إلا بعد موت فاطمة عليها السلام "(137) وتفسر هذه المروية بعض نقاط الضعف في المروية الأولى التي توحي بأن مبايعة الإمام علي(ع) للخليفة الأول تمت عقب السقيفة مباشرة بما يتعارض مع ما هو معروف بأن الإمام علي(ع) لم يبايع إلا بعد ستة أشهر، على أن المروية الثانية تشير إلى وجود أعمال عنف قامت بها السلطة تجاه الإمام(ع) عقب وفاة السيدة الزهراء(ع) لإجباره على البيعة " وما اجترى عليه إلا بعد موت فاطمة عليها السلام "، الأمر الذي يُفهم منه أن الهجوم الذي تشير إليه مروية الثقفي الأولى تم عقب وفاة السيدة الزهراء عليها السلام.
    إن الباحث خص هذه المروية بالرفض نظراً لتناولها الاعتداء بشكل صريح، متجاهلاً المرويات الأخرى في الكتاب عن نفس الراوي والتي تدعم المروية الأولى، وقد لجأ كالعادة إلى الطعن في الكتاب ككل على أساس فقدان النسخ الأصلية، واعتراف الشيخ النوري في المستدرك بوجود بعض التصحيفات في الكتاب من قبل النُساخ السُنة، مما يُفقد هذه المروية أي مصداقية لها من وجهة نظر الباحث .
    على أن الاستدلال بفقدان النُسخ الأصلية لا علاقة له بعدم صحة وجود هذه المروية التي نقلها المرتضى في كتاب الشافي، ويشير هذا الكتاب إلى أن مؤلفات إبراهيم بن محمد الثقفي كانت متداولة ومعروفة إلى درجة أن المرتضى نصح بقراءة بعض كتبه ككتاب المعرفة : " ومن أراد أن يعتبر ما روي عن أهل البيت في هذا المعنى فلينظر في كتاب المعرفة لأبي إسحاق إبراهيم بن سعيد الثقفي فإنه قد ذكر عن رجل رجل من أهل البيت عليهم السلام بالأسانيد البينة ما لا زيادة عليه "(138)، فالسيد المرتضى نقل عن هذا الكتاب مباشرة، وهذا التشكيك من الباحث لا يمكن تفسيره إلا في نطاق التشكيك في مصداقية السيد المرتضى بمعنى اتهامه بتلفيق هذه المروية على إبراهيم بن هلال الثقفي، وهو اتهام صرح به الباحث : " وإذا كان يمكن للعامة أن يحرفوا الكتاب فلماذا لا يمكن للخاصة أن يفعلوا ذلك ؟ ويضيفوا عليه ما يشاءون ؟ " إلا أن الباحث عموماً لم يقدم أي دليل على تلفيق أو تحريف السيد المرتضى لنص إبراهيم الثقفي، ولم يتجاوز هو كالعادة عن إثارة الاضطراب والتشويش على المصادر التي تتضمن مرويات مزعجة بالنسبة له، فالسيد المرتضى عموماً لم يكن في حاجة لمثل هذا التلفيق في كتب إبراهيم بن محمد الثقفي مع وجود مدونات أخرى للسنة نقلت هذه الأخبار، على أن الواضح أن هذا الخبر ليس غريباً على إبراهيم بن محمد الثقفي الذي تتهمه كتب الرجال السنية بالغلو في الرفض(139) وهو تعبير يفهم منه موقفه شديد السلبية من الخليفتين .
    بالنسبة لدليله الثاني الخاص بموقف الشيخ النوري فقد مارس عدم الأمانة في النقل مرة أخرى عندما نقل رأي الشيخ النوري في وجود تصحيف قام به النُساخ السُنة في كتاب الغارات، بما قد يوحي بأن الشيخ النوري لا يرى أي مصداقية لهذا الكتاب، وعلى الرغم من أن المروية المنقولة في الشافي ليست في كتاب الغارات، وربما يكون السيد المرتضى قد نقلها من كتب أخرى للثقفي كالمعرفة أو السقيفة، إلا أن التصحيف الذي يشير إليه الشيخ النوري ارتبط بمروية واحدة ذكرها الثقفي في كتاب الغارات وهو العهد الذي كتبه الإمام علي(ع)، إلى واليه محمد بن أبي بكر(رض) وتضمن ذكر الوضوء، وقد نقلت في إحدى النسخ كالتالي : " اغسل كفيك ثلاث مرات و تمضمض ثلاث مرات و استنشق ثلاث مرات و اغسل وجهك ثلاث مرات ثم يدك اليمنى ثلاث مرات إلى المرفق ثم يدك الشمال ثلاث مرات إلى المرفق ثم امسح رأسك ثم اغسل رجلك اليمنى ثلاث مرات ثم اغسل رجلك اليسرى ثلاث مرات "(140)، وهي بالتأكيد طريقة تختلف تماماً عن كيفية الوضوء المعروف عند الشيعة، إلا أن نفس هذا العهد نقله الشيخ المفيد عن إبراهيم بن هلال الثقفي بصيغة أخرى في هذه الجزئية فقط : " ثم أنظر إلى الوضوء فإنه من تمام الصلاة، وتمضمض ثلاث مرات، واستنشق ثلاثاً، واغسل وجهك، ثم يدك اليمنى، ثم يدك اليسرى، ثم امسح رأسك ورجليك "(141)، وبناء على هذا الاختلاف بين النُسخ الموجودة وبين النُسخة التي نقل منها الشيخ المفيد اعتبر الشيخ النوري أنه ثمة تصحيف جزئي قام به النُساخ السُنة في هذه المروية، والتصحيف والاختلاف بين نسخ الكتاب الواحد حالة معتادة عموماً في المخطوطات القديمة وينتج في الغالب عن سهو النُساخ، ولا مجال للبحث عن مخطوطة واحدة هناك اتفاق كامل بين نُسخها، إلا أن ذلك لا يُعد سبباً للتشكيك فيها أو الطعن في مصداقيتها .
    إن الباحث يتساءل في نقده لمروية الثقفي : " فكيف يمكن أن نثق بأية رواية فيه يرويها رجال جاءوا بعده بسنين طويلة ؟ " وهنا يبدو أن الباحث يتجاهل عوامل التطور التي حدثت في الأوساط العلمية عقب سماح الخليفة العباسي وتشجيعه لتدوين العلوم سنة 143 هـ، فقد أصبح النقل المباشر أو الشفاهي قاصراً تقريباً على نصوص السُنة النبوية تحرياً للدقة فيها، أما العلوم الأخرى كالتاريخ فقد تم تدوينها ونسخها على يد النُساخ وساعد ذلك على انتقالها بسرعة إلى أقطار أخرى في العالم الإسلامي، وبالتالي فمن العبث البحث عن اللقاء المباشر بين المؤرخين بعد منتصف القرن الثاني الهجري، فالطبري لم يلتق مع معظم من نقل عنهم الأحداث التاريخية الخاصة بفترة النبي (ص) وما تلي وفاته من أحداث كحروب الردة وغيرها، ويمكن للباحث في هذا الإطار التشكيك في محمد بن جرير الطبري وما في كتابه من مرويات تاريخية إذا أصر على تبني هذا الأسلوب الاستسهالي في نفي كل المصادر التي تختلف عنه .
    وعموماً فإن الباحث لم يثبت أن السيد المرتضى نقل هذه المروية عن كتاب الغارات الذي طعن فيه، وإن كان قد خلط بين كتابي الغارات والسقيفة للثقفي موحياً بأنهما كتاب واحد، رغم أن الشيخ الطوسي في الفهرست أشار إلى كل من الكتابين على حده(142)، وليس ثمة تفسير لهذا الخلط سوى رغبة الباحث في إدخال هذه المروية في إطار كتاب الغارات كي يشملها الطعن الذي وجهة لهذا الكتاب مستخدماً كلمات الشيخ النوري، لاحتمال أن يكون السيد المرتضى نقل هذه المروية عن كتاب السقيفة خاصة أنها ليست موجودة بكتاب الغارات .
    وآخر الإشكاليات المنهجية التي وقع فيها أحمد الكاتب أثناء اندفاعه للتشكيك في كتاب الغارات للثقفي هو تناسيه أنه اعتمد عليه في إحدى مروياته الأساسية التي نقل عنها مديح الإمام علي(ع) للخليفتين في رسالته لأهل مصر مع قيس بن سعد عقب تعيينه والياً عليها، ولم يذكر أي من هذه الطعون أو التشكيكات في الكتاب والتي بالتأكيد تشمل نص المديح الذي سبق واستدل به .
    المروية الثانية والتي وصفها الباحث بكونها الأكثر شهرة هي مروية كتاب سليم بن قيس (ت / 67 هـ) ، وقد أشار الباحث إلى أن هذه المروية انتشرت في القرن الرابع الهجري على يد عدد من الرواة بداية من أبان بن أبي عياش (ت / 138 هـ) وحتى أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت / 460 هـ) .
    إن الباحث لم يوضح في الواقع أسباب أو دلائل تبنيه بأن كتاب سليم بن قيس قد انتشر في القرن الرابع على وجه الخصوص، إلا أن الواضح هو رغبة الباحث في إثبات نظريته عن انتشار مرويات الاعتداء على الزهراء(ع) في مرحلة لاحقة للأئمة .
    لقد نقل ابن النديم (ت / 385 هـ) في كتابه الفهرست معلومات عن كتاب سليم بن قيس : " رواه عنه أبان بن أبي عياش لم يروه عنه غيره وقال أبان في حديثه وكان قيس شيخا له نور يعلوه وأول كتاب ظهر للشيعة كتاب سليم بن قيس الهلالي رواه أبان بن أبي عياش لم يروه غيره "(143) وهذا النص لابن النديم لا يتفق إطلاقاً مع رأي الباحث بل ربما يدل على أن انتشار هذا الكتاب في الوسط الشيعي كان معاصراً للأئمة خاصة أنه يصفه بأنه أول كتاب ظهر للشيعة .
    لا يجد الباحث أي منهج للتعامل النقدي مع المرويات المعارضة له سوى التشكيك في المدونات التي ظهرت فيها وهي الوسيلة الوحيدة التي لجأ لها في إسقاط المرويات التي تنحو منحاً مخالف لنتيجته المحسومة مسبقاً، ومن ضمنها مروية كتاب سليم بن قيس، وهو بذلك لا يتجاوز على الإشكاليات المنهجية لديه فقط، وإنما يستُر حالة العجز البحثي لديه، وربما يحتاج الباحث إلى إدراك أن ضعف مروية أو حتى وضوح زيفها لا يعني أن الكتاب ملفق بالكامل، ومن الممكن للباحث التاريخي عموماً عن طريق دراسته الطبيعة الآراء المطروحة في الفترة الزمنية التي عاشها المؤلف والخلفيات الثقافية والدينية له وطبيعة نشاطاته الاجتماعية والسياسية إلى اكتشاف الأجزاء المضافة إلى المدونة والتي لا تتناسب مع أفكار أو عقائد المؤلف، خاصة أن الادعاء بتزييف المدونات التاريخية لا يفيده هو شخصياً، في هذا العصر هو الذي ظهرت فيه مدونات أخرى كصحيح البخاري، وصحيح مسلم ومسند أحمد وغيرها من المدونات التي تمثل الأساس بالنسبة للتراث الإسلامي .
    إن أحد التشكيكات التي وجهها الباحث لكتاب سليم هو أن معظم من نقلوا مروياته لم يرووها بإسناد متصل، وعلى فرض صحة هذا الادعاء فإن الإسناد المُتصل ليس دليلاً على مصداقية أو تزييف أي مروية تاريخية خاصة بالنسبة للشيعة كمعارضين سياسيين تعرضوا للقمع على يد السلطات الحاكمة الأموية والعباسية .
    على أن كتاب سليم بن قيس ذُكرت له سبع طرق ثلاث منها تنتهي إلى الشيخ الطوسي وواحدة إلى محمد بن صبيح وواحدة إلى ابن عقدة وواحدة إلى الشيخ الكشي وواحدة إلى الحسن بن أبي يعقوب الدينوري، وقد انتشرت هذه النُسخ عن طريق ثلاثة علماء من الذين تلقوا الكتاب عن ابن أذينة، وهم : عبد الرازق بن همام، حماد بن عيسى، وابن أبي عمير، وقد انتشرت نسخة عبد الرازق بن همام عن طريق ابن عقدة (333 هـ)، محمد بن همام بن سهيل (332 هـ)، محمد بن صبيح (334 هـ) .
    النسخة الثانية وهي لحماد بن عيسى انتشرت عن طريق الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي، أما نسخة ابن أبي عمير فقد انتشرت عن طريق الشيخ الطوسي بأربع طرق متصلة إلى سليم بن قيس الهلالي(144) .
    إن هذه الأسانيد ليست دليلاً على صحة كل مرويات كتاب سليم بن قيس الهلالي، ولا يرى الشيعة عموماً صحة كل ما يحتويه أي كتاب، خاصة مع كثرة التشكيكات التي أوردها بعض العلماء في الكتاب كالشيخ المفيد(ره) والتي نتفق فيها مع الباحث : " وأما ما تعلق به أبو جعفر – رحمه الله – من حديث سليم الذي رجع فيه إلى الكتاب المضاف إليه برواية أبان بن أبي عياش، فالمعنى فيه صحيح، غير أن هذا الكتاب غير موثوق به، ولا يجوز العمل على أكثره ، وقد حصل فيه تخليط وتدليس ، فينبغي للمتدين ان يتجنب العمل بكل ما فيه ولا يعوّل على جملته والتقليد لرواته ، وليفزع الى العلماء فيما تضمنه من الأحاديث ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد "(145)، وعلى الرغم من هذا التشكيك الواضح للشيخ المفيد في كتاب سليم بن قيس، فإن الشيخ أيد صحة الحديث الذي نقله الصدوق عن كتاب سليم حول الحديثين المختلفين، مما قد يوحي بأن كلمة الشيخ المفيد ليس المقصود بها إنكار كل ما في الكتاب عموماً وإنما كانت إشارة إلى أن بعض المرويات في الكتاب غير صحيحة ولا يجب العمل بها قبل الرجوع للعلماء .
    إن الملاحظ أن الباحث استغل الطعون الموجهة لبعض مرويات كتاب سليم بن قيس الهلالي كي يدعي ولو بشكل غير واضح أن المروية الواردة في كتاب سليم هي أصل المرويات الأخرى، متناسياً تماماً وجود مرويات سابقة لدى المدونات السنية، ووجود مرويات أخرى لدى الشيعة في تاريخ اليعقوبي وكتاب الغارات، وبالتالي فمرويات الاعتداء على الزهراء(ع) لم تبدأ مع كتاب سليم بن قيس، كما أنه من الغريب جدا ما طرحه الباحث من تصور حول الأئمة الإثنى عشر : " ورغم أن الكتاب يعتبر " أصل القول في حصر عدد الأئمة باثني عشر إماما " كما يقول المؤرخ الشيعي المسعودي في (التنبيه والإشراف) إلا انه تضمن أيضا رواية تشير إلى أن عددهم (ثلاثة عشر) وهي الرواية التي تقول: إن النبي (ص) قال لأمير المؤمنين عليه السلام : " أنت واثنا عشر من ولدك أئمة الحق " . وقد نقلها الكليني في الكافي. وهذا ما دفع هبة الله بن احمد بن محمد الكاتب ، حفيد أبى جعفر محمد بن عثمان العمري ، الذي كان يتعاطى (الكلام) لأن يؤلف كتابا في الإمامة ، ويقول فيه : ان الأئمة ثلاثة عشر. ويضيف إلى القائمة المعروفة (الإمام زيد بن علي) كما يقول النجاشي في (رجاله). وربما كان اختلاف روايات (كتاب سليم) حول عدد الأئمة يعكس التذبذب والاختلاف الذي كان يعاني منه الشيعة الإمامية في (عصر الحيرة) قبل أن يستقر رأيهم على اثني عشر إماما، ثم يعرفوا بـ : " الاثني عشرية " في نهاية القرن الرابع الهجري "(146) وعلى الرغم من أن موضوع الإمامة ليس هو الموضوع الأساسي بالنسبة لهذا البحث فالباحث لا يترك أي فرصة دون محاولة الدخول في جدل ولو عابر يحاول فيه إثارة الشكوك حول هذه العقيدة، وهنا لم يكن الباحث موفقاً أبداً في محاولته، فقد وصف المسعودي بالشيعي كي تبدو مقولته أشبه باعتراف بوجود إشكالات على الإمامة حتى لدى الشيعة رغم أن كتب المسعودي المعروفة لا تشير إلى تبنيه للمعتقد الشيعي إطلاقاً وهناك خلاف عموماً حول مذهبه فقد عده السبكي شافعياً، في حين رأى آخرون أنه من المعتزلة، كما ترجم له الشيخ النجاشي باعتباره من الشيعة(147)، ومن الممكن أن يكون المسعودي قد تنقل ما بين هذه المعتقدات بالفعل، إلا أنه على كل حال لم يكن شيعياً حين تأليفه لكتاب التنبيه والإشراف وهو آخر مؤلفاته، وبإضافة هذه الكلمات للمسعودي مع رأي الباحث الذي طرحه في ذات السياق بأن كتاب سليم بن قيس انتشر في القرن الرابع الهجري فالمحصلة النهائية هي اعتقاد المسعودي بأن كتاب سليم بن قيس ظهر في القرن الرابع الهجري، وهو أول كتاب يشير إلى كون الأئمة إثنى عشر إماماً، وهذه هي النتيجة التي رغب أحمد الكاتب في إظهارها .
    يقول المسعودي : " والكلام بين متكلمي العثمانية والزيدية من معتزلة البغداديين القائلين بإمامة المفضول، وغيرهم من البترية، وفرق الزيدية والقطعية بالإمامة الاثنا عشرية منهم الذين أصلهم في حصر العدد ما ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه، الذي رواه عنه أبان بن أبى عياش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام " أنت واثنا عشر من ولدك أئمة الحق " ولم يرو هذا الخبر غير سليم بن قيس "، إن المسعودي يستعرض في هذا النص وجهة نظره، على اعتبار مصداقية نسبة الكتاب إلى سليم بن قيس كما يبدو من ظاهر النص، والملاحظ أنه لم يلتفت إلى نص الحديث المروي في كتاب سليم والذي قد يصل بعدد الأئمة إلى ثلاثة عشر إمام ربما لإدراكه أن هذا الخطأ يرتبط بسهو النُساخ، خاصة أن كتاب سليم يحتوي على مرويات أخرى حددت عدد الأئمة بإثنى عشرة إمام(148) مما قد يؤكد أن نص الحديث قد تعرض للتصحيف، إلا أن اعتقاد المسعودي بانفراد سليم بن قيس برواية عدد الأئمة ليس دقيقاً إطلاقاً، والاعتقاد بكون الأئمة إثنى عشر ليس بدعة شيعية خاصة أنه مروي من طرق السُنة كذلك، وقد ذكر السيوطي عدد من محاولات بعض علماء السنة وضع معايير لتحقيق أسماء الأئمة الإثنى عشر الذين ورد ذكرهم في أحاديث النبي (ص)(149).
    أما ما ذكره النجاشي عن هبة الله بن أحمد الكاتب، فقد أساء الباحث فهم عبارة الشيخ النجاشي عن هبد الله : " هبة الله بن أحمد بن محمد الكاتب، أبو نصر، المعروف بابن برنية، كان يذكر أن أمه أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العمري. سمع حديثا كثيرا، وكان يتعاطى الكلام، ويحضر مجلس أبي الحسين بن الشبيه العلوي الزيدي المذهب، فعمل له كتابا، وذكر أن الأئمة ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين، واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي : إن الأئمة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين عليه السلام . له كتاب في الإمامة، وكتاب في أخبار أبي عمرو وأبي جعفر العمريين و رأيت أبا العباس بن نوح قد عول عليه في الحكاية في كتابه أخبار الوكلاء. وكان هذا الرجل كثير الزيارات، وآخر زيارة حضرها معنا يوم الغدير سنة أربع مائة بمشهد أمير المؤمنين عليه السلام "(150) والواضح من عبارة الشيخ النجاشي أن صاحب الترجمة ألف هذا الكتاب مجاملة لابن الشبيه العلوي أو تأثراً به وليس نتيجة عن وجود حقيقي لهذا الرأي أو المعتقد في الوسط الشيعي كما توحي عبارة الباحث، وكما صرح به في كتابه " تطور الفكر السياسي الشيعي " من تزعم هذا الشخص لفرقة خاصة باسم الثلاث عشرية التي ابتكرها من مخيلاته(151) وهو الذي ينتقد مجرد الفرضيات، ومثل هذه الآراء الشاذة والفردية حول العقيدة متواجدة في أوساط كافة المذاهب الإسلامية لكنها في الغالب لا تتمكن من تحقيق شعبية أو الحصول على أتباع .



    135 – ابن حجر العسقلاني . لسان الميزان . م . س . ج 1 ص 77 ، 78 .
    136 – السيد المرتضى . الشافي في الإمامة . تحقيق / عبد الزهراء الحسيني الخطيب . نسخة كومبيوترية www.aqaed.com . ج 3 ص 241 .
    137 – م . س . ج 3 ص 242 .
    138 – م . س . ج 4 ص 116 .
    139 - ابن حجر العسقلاني . لسان الميزان . م . س . ج 1 ص 77 ، 78 .
    140 – إبراهيم بن محمد الثقفي . الغارات . نسخة كومبيوترية .www.al-shia.com . ج 1 ص 154، 155 .
    141 – الشيخ محمد بن النعمان (المفيد) . الأمالي . تحقيق / حسين الاستادولي ، علي أكبر غفاري . بيروت 1993 . طبعة دار المفيد . ص 267 .
    142 – الشيخ الطوسي . الفهرست . نسخة كومبيوترية . www.al-shia.com . ص 4 – 6 .
    143 – محمد بن إسحاق بن النديم . الفهرست . بيروت 1978 . طبعة دار المعرفة . نسخة كومبيوترية . www.sahab.org . ص 223 .
    144 – محمد باقر الأنصاري . تحقيق كتاب سليم بن قيس . قم 1420 هـ . طبعة مطبعة الهادي . ص 65 – 68 .
    145 – الشيخ المفيد . تصحيح اعتقادات الإمامية . تحقيق / حسين دركاهي . طبع مع كتاب الاعتقادات للشيخ الصدوق . بيروت 1993 . طبع دار المفيد . ص 149، 150 .
    146 – رجع الباحث في هذه الفقرة إلى المصادر الآتية :
    المسعودي . التنبيه والإشراف . نسخة كومبيوترية . موقع يعسوب الدين . www.yasoob.com . ص 198، 199 .
    الشيخ أحمد بن علي النجاشي . الرجال . تحقيق / السيد موسى الشبيري الزنجاني . قم (بدون سنة النشر) . نسخة كومبيوترية . طبعة مؤسسة النشر الإسلامي . موقع يعسوب الدين www.yasoob.com . ص 440 .
    147 – صائب عبد الحميد . المسعودي، المؤرخ، إمام المؤرخين وفلاسفة التاريخ . مجلة المنهاج . بيروت 2000 . العدد 19 السنة الخامسة . ص 245، 246 .
    148 – سليم بن قيس الهلالي . كتاب سليم بن قيس " أسرار آل محمد " . تحقيق / محمد باقر الأنصاري . قم 1420 هـ . طبعة مطبعة الهادي . ص 352، 399، 400، 426، 443 .
    149 – السيوطي . م . س . ص 11 – 13 .
    150 – النجاشي . م . س . ص 440 .
    151 – أحمد الكاتب . تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى لولاية الفقيه . نسخة كومبيوترية . موقع صحوة الشيعة www.newshia.com . ص 97 .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    أشرب نخبك أيتها الأشياء الجميلة في العالم .. أنا الأكثر زوالاً والأكثر إيماناً والأكثر خوفاً .. الذي يخشى الموت أكثر منكن جميعاً

  7. Top | #7

    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    اللقب
    عضو
    معدل المشاركات
    0.02
    المشاركات
    138

    مشاركة: نقد أحمد الكاتب (رؤيته للاعتداء على الزهراء(ع) نموذجاً)

    والغريب أن يدعي الباحث أن الإثنى عشرية عرفوا بهذا اللقب في آخر القرن الرابع الهجري، في حين اعتمد هو شخصياً على كتاب فرق الشيعة للنوبختي المعتقد وفاته في أواخر القرن الثالث أو أوائل القرن الرابع الهجري في الإشارة إلى عصر الحيرة والفرق المتنوعة التي نشأت عقب غيبة الإمام المهدي (عج)، وفي هذا الإطار أشار النوبختي إلى استقرار الغالبية من الشيعة على الاعتقاد بإمامة الإثنى عشر إماماً(152)، بالإضافة إلى أن أواخر القرن الثالث قد شهدت بداية عصر الغيبة الصغرى وتولي الوكلاء كملية الاتصال بين الشيعة والإمام (ع) والتي تعني بشكل منطقي الاستقرار على الاعتقاد في إثنى عشر إماماً بشكل نهائي، والواقع أن أحمد الكاتب لا يتكلف تجنب التضارب بين استنتاجاته التاريخية المتتابعة والتي لا يمكن الجمع بينها في إطار نظري واحد على الإطلاق .
    إن التساؤل الأساسي، وبغض النظر عن رأي العلماء في كتاب سليم، هو عن مصداقية مرويات الاعتداء في الكتاب، وهو ما لم يحاول الباحث بذل أي مجهود في المقارنة بينها وبين غيرها من المرويات التي نقلتها المدونات الأخرى .
    لقد نسبت هذه المروية إلى سلمان الفارسي، وهي روايته لأحداث السقيفة، وبعض أحداثها صحيح أو على الأقل لم ينفرد كتاب سليم به وعلى سبيل المثال : " فلما أن كان الليل حمل علي(ع) فاطمة(ع) على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين(ع)، فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله (ص) إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته . فما استجاب له منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنا حلقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته "(153)، وقد روى ابن قتيبة الدينوري هذه الحادثة في الإمامة والسياسية مع بعض الاختلافات، وإن كان سليم بن قيس قد رواها كحادثة سابقة على الاعتداء على بيت الزهراء(ع)، في حين رواها ابن قتيبة بعد الاعتداء(154)، كما ذكرها معاوية بن أبي سفيان في رسالته للإمام علي(ع) : " وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلاً على حمار ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر الصديق، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلا دعوتهم إلى نفسك ومشيت إليهم بامرأتك، وأدللت إليهم بابنيك، واستنصرتهم على صحاب رسول الله، فلم يجبك منهم إلا أربعة أو خمسة "(155) .
    وفي المقابل تبدو المروية غير متقنة في كثير من أحداثها والتي تعد مبالغة لحد كبير وغير مقبولة، مثل ما تضمنته من بيعة الإمام علي(ع) قبل مرور ستة أشهر وقبل وفاة الزهراء(ع)، وفضح الإمام (ع) للصحيفة الملعونة(156) ولا أعتقد أن أحداً من السلطة الجديدة كان سيسمح له بمثل هذا التصريح، بالإضافة إلى تكرار بعض الأحداث في عدة مواقع في المروية، الأمر الذي قد يوحي بكونها مكونة من مقاطع لعدة مرويات مختلفة، وبالتالي فمن الممكن الاتفاق مع الباحث حول وجود إشكاليات في مرويات السقيفة التي تتضمن الاعتداء بكتاب سليم رغم أنها تتفاوت في مصداقيتها، فمروية الكتاب لقضايا السقيفة على لسان البراء بن عازب تكتسب مصداقية خاصة في عدم تعارضها مع التطورات المتفق عليها للأحداث، كما رويت في مصادر أخرى غير هذا الكتاب ونقلها ابن أبي الحديد(157) في شرحه لنهج البلاغة، كما أن مروية الكتاب عن ابن عباس رغم تشابهها مع نظيرتها المنقولة على لسان سلمان الفارسي في كثير من التفاصيل إلا أنها أفضل من ناحية الصياغة وتبدو أكثر معقولية .
    لقد سبق ومارس أحمد الكتاب الانتهازية في مؤلفه " تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه " في التعامل مع كتاب سليم بن قيس حيث استعان بإحدى مرويات الكتاب التي قد تبدو مؤيدة له، ثم شكك في مصداقيته بموضع آخر من كتابه(158)، وإذن لا تبدو هذه الانتهازية في التعامل مع المصادر الشيعية أو المصادر المعارضة لتوجهاته عموماً حالة طارئة لدى أحمد الكاتب، بل هي وسيلة للتجاوز والقفز على المآزق التي تعترض بحثه .
    إن المرويتين السابقتين هما كل ما تمكن الباحث من انتقاده في مرويات الاعتداء على الزهراء(ع)، وعلى الرغم من وجود مرويات أخرى حول هذا الموضوع فإن الباحث فيما يبدو اعتبر أن المرويتين يمثلان نموذجاً باعتبار أنهما الأقدم في الصدور – من وجهة نظره – وبالتالي فباقي المرويات قد اعتمدت في الصياغة على المرويتين، وهذا التصور لم يسعى الباحث لإثباته عن طريق استعراض هذه المرويات ومقارنتها بمروية سليم بن قيس وإنما فرض نتائجه واستنتاجاته على الآخرين، ثم ينتقد افتراضات بعض الباحثين الشيعة والتي تحمل السلطة الجديدة وممارساتها العنيفة ضد الزهراء(ع) مسئولية سقوط المحسن بن الإمام علي(ع) جنيناً : " وهكذا، وبواسطة الافتراض والتخمين، يحاول الميلاني أن يكمل الصورة، وأن ينسب إلى أفضل الصحابة أبشع الاتهامات " .
    والواقع أن ما يفترضه بعض الباحثين الشيعة من مرويات الاعتداء من مسئولية للسلطة الجديدة عن إسقاط جنين الزهراء(ع) كنتيجة لهذا الاعتداء هو موضع تساؤل حقيقي لم يجب عنه الباحث رغم أنه تعرض له واتهم طارحيه من الشيعة بالتجني على أفضل الصحابة – حسب تعبيره – بناء على افتراضات، ورغم ذلك لم يسعى هو لتوضيح حقيقة الحدث، فجنين الزهراء(ع) المسمى المحسن ليس اختلاقاً شيعياً بل اعترفت به المدونات السنية وأشارت إلى وفاته سقطاً(159) وهنا يطرح تساؤل نفسه بالفعل عن أسباب تعرض هذا الجنين للسقوط رغم صغر سن الزهراء(ع) ؟ خاصة أن حالتها عقب وفاة النبي (ص) كما يبدو ووفاتها المبكرة ربما تشير إلى تعرضها لقدر كبير من الضغوط النفسية، وهي بكل تأكيد ليست ناتجة فقط عن الحزن لوفاة النبي (ص) وبالتالي فسواء كان سقوط هذا الجنين ناتج عن عنف مباشر مورس ضدها أو عن الحزن بسبب الأحداث التي تلت وفاة النبي (ص) وكان للسلطة فيها دخل كبير بالتأكيد، فلا ريب أن السلطة الجديدة تتحمل قدر كبير من المسئولية عن هذا الحادث .
    وأخيراً يقع أحمد الكاتب في تضارب آخر حيث يحمل الدولة الصفوية مسئولية انتشار سب الخلفاء في إيران، ونشرها لتشيع محرف ومشوه أطلق عليه اسم التشيع الصفوي، وهو هنا يستخدم مصطلحات الشهيد علي شريعتي وإن كان مدلولاتها مختلفة بكل تأكيد، فانتقادات الشهيد شريعتي لم تتضمن الرغبة في الدفاع عن أي من الصحابة الذين تورطوا في مواجهات ضد الإمام علي(ع)، بقدر ما كان ينتقد الاستغراق في الشكليات المظهرية والابتعاد عن الجوهر الاجتماعي والثوري والفلسفي للتشيع، الأمر الذي أنتج تشيع تغييبي في حين أن التشيع في الأساس يمثل ثورة دينية واجتماعية على الواقع الذي فرضه الإقطاع والذي تبنى بدوره المذهبين السنيين الأشعرية والسلفية .
    إن ممارسة هذا الكم من الانتقاد على الدولة الصفوية بالنسبة للشهيد شريعتي هو مجرد استخدام للرمز أكثر منه تحقيقاً لواقع تاريخي، فعادة سب الخلفاء لم تبدأ مع الصفويين، بل مورست في البداية على يد الدولة البويهية الشيعية، يقول السيوطي في أحداث سنة 351 هـ : " كتبت الشيعة ببغداد على أبواب المساجد لعنة معاوية، ولعنة من غصب فاطمة حقها في فدك، ومن منع الحسن أن يدفن مع جده، ولعنة من نفى أبا ذر، ثم أن ذلك محي في الليل، فأراد معز الدولة أن يعيده فأشار عليه الوزير المهلبي أن يكتب مكان ما محي (لعن الله الظالمين لآل رسول الله(ص)) وصرحوا بلعنة معاوية فقط "(160)، كما مورست كذلك على يد الفاطميين سواء في المغرب أو مصر، بل يذكر السيوطي في سنة 393 هـ : " أمر نائب دمشق الأسود الحاكمي بمغربي؛ فطيف به على حمار، ونودي عليه : هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر، ثم ضرب عنقه "(161)، كما يذكر في أحداث سنة 395 هـ : " قتل الحاكم (الحاكم بأمر الله) بمصر جماعة من الأعيان صبراً، وأمر بكتابة سب الصحابة على أبواب المساجد والشوارع، وأمر العمال بالسب "(162)، وعندما تمكن الشاه إسماعيل الصفوي من بسط سيطرته على إيران قام بممارسة كانت منتشرة بالفعل في الأوساط الشيعية والتي كانت تعاني من القمع والاضطهاد، كما كانت كراهيتها للخليفتين متأصلة بالفعل .
    وعلى الرغم من أنني قد اتفق مع أحمد الكاتب بالفعل في رفض استخدام أسلوب السب في التعامل مع الشخصيات التاريخية إلا أن الباحث يتطرف في محاولته استهجان هذا الأسلوب لدرجة تبريره للفتوى الهمجية التي أصدرها مفتي استانبول السُني بإباحة دم الشيعة في إيران بحجة سبهم للصحابة، وهذا التبرير المخجل لفتوى مغرقة في الهمجية هو محاولة لتجاوز ما تسببه مثل هذه الفتاوى من إحراج لبعض المتحولين للفكر السلفي، والذين يرغبون في التأكيد على تحمل الشيعة وحدهم مسئولية العداء الطائفي المتبادل بين الشيعة والسُنة، وإلا فإن سب الشيعة للصحابة ليس مبرراً للحكم بالردة أو للدعوة لتطهير البلاد منهم .
    يستعرض الباحث تجربة مؤتمر النجف الأشرف في القضاء على هذه البدعة الصفوية، كما يحلو له تسميتها، وهو مؤتمر يرى السُنة أنه عقد برعاية نادر شاه بين علماء من الشيعة وآخرون من السُنة تم بعده الاتفاق بين الطرفين على نبذ سب الصحابة والاعتراف بفضائلهم، ويبالغ الشيخ عبد الله السويدي مفتي العراق السُني راوي هذه القصة حيث يقول : " أنه حين تم توقيع العلماء على المحضر صار لأهل السنة فرح وسرور لم يقع مثله في العصور ولا تشبهه الأعراس والأعياد، فكان يوما مشهودا من عجائب الدنيا، والحمد لله على ذلك.. وصار ذكر الصحابة ومناقبهم في كل خيمة من المعسكر وعلى لسان العجم كلهم بحيث كانوا يذكرون لأبي بكر وعمر وعثمان مناقب وفضائل يستنبطونها من الآيات والأحاديث مما يعجز عنه فحول أهل السنة، وأخذوا يسفهون رأي الشاه إسماعيل (الصفوي) في سبهم "(163) وبعيداً عن الجملة الأخيرة والتي تذكر أن أن الشاه الصفوي هو من ابتدع سب الخلفاء وهذا غير صحيح كما أسلفت، فربما لو لم يستخدم الشيخ السويدي هذا الأسلوب في المبالغة كان من الممكن لبعض الباحثين تلقي مثل هذه القصة بالقبول، إلا أن الشيخ السويدي – أو بالأحرى أحمد الكاتب – يطلب من الشيعة تصديق أن بعض علمائهم الذين نشئوا في أوساط معادية للخليفتين، وتثقفوا بثقافة دينية معادية لهما كذلك، تحولوا فجأة وبلا أي عناء إلى امتداحهم بل وتفوقوا على نظرائهم السُنة في هذا المجال، ولا شك في أن هذا التصور المضحك غير مقبول على الإطلاق ولا يمكن لعلماء أي مذهب نفي عقائد وعادات وتقاليد مذهب آخر في مؤتمر، وإلا فقد كان على الشيخ السُني مخترع هذا المؤتمر تذكر أن كلاً من العراق وإيران يتواجد بهما أبناء طوائف وديانات عدة لم يتمكن أحد حتى الآن من دفعها للتخلي عن عقيدتها رغم أن بعضها يتسم بالسذاجة والبدائية، بالإضافة إلى أنه لا أثر ترتب عليه مثل هذا المؤتمر المزعوم وما أطلقه من بيانات في الصراع الإيراني / العثماني الذي اكتسب مظهراً شيعيا / سنياً على العراق .
    إن الجزء الأساسي الذي يكتسب مصداقية في هذه القصة الساذجة التي رواها السويدي هو سعي نادر شاه إلى اعتراف الدولة العثمانية بالمذهب الجعفري كمذهب خامس، ومنعه لسب الصحابة في إيران، وهذه حقيقة تاريخية بالفعل كمحاولة للقضاء على حالة سعي العثمانيين لمذهبة صراعهم الاستعماري مع الصفويين في إيران وما كان ينتج عنها من مذابح متبادلة من كلا الدولتين لأبناء المذهب المخالف، وهي محاولة لا مجال لإنكار قيمتها بالفعل، إلا إنها لم تجد صدى لدى الطرف الآخر ولم يقبل العثمانيون الاعتراف بالمذهب الجعفري كمذهب خامس وتواصلت المذابح والاضطهادات العثمانية للشيعة .
    إن فترة قيام كل من الدولتين الصفوية والعثمانية كانت فترة السقوط النهائي للحضارة الإسلامية بفعل التخلف والرجعية التي عانت منهما الأقطار الإسلامية عموماً تحت سيطرة الإقطاع وعدم قدرة الطبقة التجارية في الشرق كما حدث في أوروبا الغربية، على مواجهته فضلاً عن انتهازيتها وتحالفها مع الإقطاع ضد الطبقات الكادحة في اللحظات الحاسمة للصراع .
    إلا أن الملاحظ في هذا الشأن هو عدم قدرة الإقطاع على الثبات في المناطق الشيعية وكثرة الاضطرابات التي شهدتها إيران سواء في المرحلة الصفوية أو المرحلة القاجارية وقصر عمر الدولتين في مقابل بقاء الدولة العثمانية طوال هذه المدة (رغم هشاشتها) تدليل على مدى التناقض ما بين التشيع والإقطاع، في حين مثل المذهب السُني بشقيه الأشعري والسلفي الدعم الأساسي لبقاء الإقطاع غير المركزي الذي عبرت عنه الدولتان العباسية والعثمانية، وكلاهما استمرتا في البقاء بشكل ظاهري لفترات طويلة .
    على أنني في المقابل أتفق تماماً مع الباحث في انتقاده لقيام بعض العلماء بتحميل الأحداث والقضايا التاريخية بعداً عقائدياً أو مذهبياً واستغلالها في الصدام مع الآخر بعيداً عن واقع الحقيقة التاريخية، بل واللجوء لتكفير أو نفي كل من يسعى لاستجلاء حقيقة هذه الأحداث، وهذه الممارسة موجودة لدى السُنة والشيعة وقد بدت بوضوح في قضية عبد الله بن سبأ التي أثارها كل من الدكتور الهلابي والدكتور حسن فرحان المالكي في السعودية، وقضية الاعتداء بالضرب على الزهراء(ع)، التي أثيرت بناء على آراء سماحة المرجع السيد فضل الله .
    أخيراً يختتم الباحث دراسته بعنوان فرعي ( واقع الشيعة اليوم ) حيث بدأ بمحاولة غريبة وغير مفهومة للترويج بوجود تحول لدى الشيعة في موقفهم من الشيخين قائلاً : " بيد إن مما يسرّ المرء هو حدوث تطور إيجابي كبير لدى عامة الشيعة تجاه هذا الموضوع، وإعادة النظر إلى أسبابه، فان الشيعة اليوم في الحقيقة، يرفضون تلك الاتهامات الأسطورية الفظيعة، ويستنكرونها أشد استنكار، ويكنون احتراما كبيرا للشيخين، وذلك لأن الشيعة اليوم أقرب الى الشورى والديموقراطية منهم الى الفكر الإمامي التقليدي، وليس لهم من " الإمامية " إلا الاسم، ولا يتمسك منهم بتلك الأباطيل إلا فئات صغيرة تميل الى " الإخبارية الحشوية " التي ترفض العلم والاجتهاد وترفض تسليط أي ضوء على التاريخ " وهذه المقولة تدخل في نطاق ممارسة الدجل، ومن الواضح أنها ليست موجهة لقارئ شيعي سيدرك تماماً من واقعه أنها مقولة كاذبة وإنما يوجهها أحمد الكاتب إلى القارئ السُني الذي يجهل واقع المجتمعات الشيعية .
    وليس من الصعب التأكيد على ممارسة أحمد الكاتب لهذا الدجل مع متابعة أسلوبه على الإيحاء بحقيقة ما يردده من أكاذيب، خاصة مع استدلاله بموقف سماحة السيد محمد حسين فضل الله(دام ظله) وسماحة السيد مرتضى العسكري(دام ظله) السلبي من زيارتي عاشوراء والجامعة دون توضيح دوافعهما لهذا الموقف، كي يوحي بأن العالمين الكبيرين في عالم التشيع يؤيدان طروحاته، والواقع أن مصداقية الزيارتين وحقيقة صدورها عن الأئمة (ع) من منطلق مهمتهما الأساسية في الحفاظ على تراث أهل البيت (ع) هو ما يشغل العالمين الكبيرين في نقدهما لزيارة عاشوراء وليس الموقف من الشيخين بأي حال حيث أجاب على تساؤل وجه له حول زيارة عاشوراء : " الزيارة المشهورة غير ثابتة سنداً مع الملاحظة على ما ورد فيها من اللعن حيث لم يعهد صدوره من الأئمة (ع) وقد جاء عن الإمام الصادق (ع) ما أيسر ما رضي الناس منكم كفوا ألسنتكم عنهم "(163)، وإلا فإن موقف السيد فضل الله(دام ظله) من الشيخين يعد الأكثر سلبية ورسوخاً من منطلق اعتماده على القراءة الواعية لتجربتهما مقارنة بتجربة الإمام علي(ع) والأئمة من بعده، يقول سماحة السيد تعليقاً على سعي عمر بن الخطاب لاقتحام منزل الزهراء(ع) لفض الاعتصام الذي قام به معارضو السلطة الجديدة : " إنّ هذه الكلمة تشير إلى روحية القوم وما كانوا يهيئون له، مع أنهم لو فتحوا باب الحوار الإسلامي من خلال الكلمات الطيبة، لرأوا أن علياً هو إنسان الحوار كما كان في كل حياته حتى بعد أن أصبح خليفة، ولوجدوا أن فاطمة هي إنسانة الحوار، لأن القرآن الذي كانت فاطمة أكثر الناس التزاماً به كان كتاب الحوار، لكن القوم كانوا قد تجاوزوا مرحلة الحوار عندما جمعوا الحطب لإحراق بيت الزهراء (ع)، وقال قائلهم تلك الكلمة جواباً لقولهم إن فيها فاطمة، فقال ((وإن))، والتي تعبر عن أبشع الظلم الذي تعرضت له الزهراء (ع) "(164) وبعيداً عن العداء غير الواعي لبعض علماء الدين للشيخين فإن دعوة سماحة السيد للوحدة الإسلامية وترفعه عن السب ليس نتاجاً عن تعاطف مع الشيخين أو اقتراب من الرؤية السُنية وإنما عن التزام بسلوكيات أهل البيت (ع) وعن الوعي الحقيقي بسلبيات تجربة الشيخين والتي تحتاج إلى النقد العلمي بعيداً عن العصبية المذهبية : " إننا لا نتصور أن شعار الوحدة الإسلامية يعني دعوة الشيعة إلى أن يتنازلوا عن التزاماتهم الثقافية العقيدية في ما يستنبطونه من التاريخ، أو أن يتنازل السنة عما اقتنعوا به من القضايا التاريخية، وهكذا الشأن في القضايا الفقهيّة والعقائدية، بل إن مسألة الوحدة الإسلامية تنطلق من المنهج الموضوعي الذي يدرس الواقع التاريخي الإسلامي بطريقة علميّة "(165)، أما سماحة السيد مرتضى العسكري فإن القراءة الأولية لمؤلفاته كمعالم المدرستين تشير إلى حقيقة موقفه من التجارب السياسية المخالفة لرؤية أهل البيت (ع) .
    إن الموقف الشيعي من الشيخين ليس محدثاً أو ناتجاً عن عناد شخصي وإنما هو نتاج تراث ضخم راسخ في الوعي الشيعي سواء على المستوى الشعبي أو على المستوى العلمائي، ومن السذاجة محاولة الإيحاء بأنه قابل للتغير أو الانتهاء، لمجرد أن أحمد الكاتب أو غيره قد وجهوا له ولعقيدة الإمامة انتقادات مهما يكن مستواها خاصة أن الطرح البديل الذي يضعه الكاتب مشوش وغير واضح المعالم كما أنه يفتقد للمصداقية التاريخية وحتى التطبيقية .
    إن وصف الكاتب لعقيدة الإمامة بألفاظ كـ " البائد واللامعقول " لا يعدو أن يكون سباباً من نفس النوع الذي انتقده على الإمامية، وقد كان عليه وهو يسعى بحماس لنقض عقيدة الإمامة أن يثبت مصداقية تصوراته أيضاً وقد قرر هو فيما يبدو تجاوز هذا المبحث ربما لأنه لا يملك تصوراً شاملاً لفكرة الشورى التي يدعو إليها بأسلوب تغلب عليه الشعاراتية الصارخة أكثر من المنهجية العلمية وينسبها بشكل تلفيقي للوسط السُني عن طريق استخدام لغة شتائمية وغير نزيهة .
    أخيراُ لقد وقع أحمد الكاتب في إشكالية نتجت بالأساس من تحميله المتعسف والانفعالي للشيعة فقط حالة العداء بين أبناء المذهبين متخيلاً أن هذه الحالة من الممكن أن تنتهي تماماً في حال تراجع الشيعة عن موقفهم تجاه أبي بكر وعمر والتزموا بالتراث الذي يتخيله هو عن أئمة أهل البيت (ع)، إن أحمد الكاتب لم يطرح تساؤلاً عن أسباب الخلاف والتكفير المتبادل بين السلفية والأشعرية من السُنة في حال كانت كل المشكلة هي الموقف من الشيخين، لكن المشكلة الحقيقية هي في طبيعة الفكر السُني ذاته الذي نشأ تحت رعاية السلطة الإقطاعية الحاكمة وهو بالتالي غير قادر على تقبل الآخر في الأساس، ولئن كان الأشاعرة أكثر قدرة في الفترة الحالية على تطوير فكرهم وخطابهم الديني بما يتلائم مع طبيعة العصر فإن الفكر السلفي غير قادر أو حتى راغب في القيام بنفس المهمة، كما أن مشكلته مع الشيعة ليست قاصرة على الموقف من الخليفتين أو حتى الصحابة لكن الأمر يمتد كذلك للموقف من شخصيات لا يمكن للشيعة تقبلهم إطلاقاً كمعاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية، وثمة خلافات أخرى حول الموقف من بعض العقائد، فما هي رؤية أحمد الكاتب لتجاوز هذه الخلافات خاصة وهو يعترف أن الشيعة منذ أيام الإمام علي(ع) يتخذون من الخليفة الثالث عثمان بن عفان موقفاً سلبياً وبالتأكيد ينسحب هذا الموقف السلبي على شخصيات أخرى كالزبير وطلحة وعائشة ؟
    إن المشكلة بين أتباع المذهبين لم تنتج عن طرف واحد بكل تأكيد، كما لا يمكن أن تتوقف أو تنتهي بالتنازل المفتعل عن ما يظهر لكل منهما من حقائق تاريخية أو تجاهلها، وإنما عن طريق الالتزام بالمنهج العلمي في التعامل مع القضايا الدينية وعدم اللجوء إلى نفي الآخر، أو إكساب القضايا التاريخية والصراعات السياسية لأبعاد عقائدية بحيث يبدو كل فريق حريصاً على إبقاء هذه القضايا في حالة سخونة دائمة لاستغلالها في مواجهة الآخر .



    152 – النوبختي . م . س . ص 108 – 112 .
    153 – سليم بن قيس . م . س . ص 148 .
    154 – ابن قتيبة الدينوري . م . س . ج 1 ص 16 .
    155 - مرتضى العسكري . م . س . المجلد الأول ص 137 .
    156 - سليم بن قيس . م . س . ص 154، 158 .
    157 – سليم بن قيس . م . س ص 138 – 142 / ابن أبي الحديد . م . س . ج 1 ص 219، 220، ج 2 ص 52 .
    158 – أحمد الكاتب . م . س . ص 11، 92 .
    159 – جمال الدين المزي . م . س . ج 20 ص 168 .
    160 – السيوطي . م . س . ص 370 .
    161 – م . س . ص 382 .
    162 – م . س . ص 382 .
    163 – مكتب سماحة السيد فضل الله . www.bayynat.org.lb . الاستفتاءات الكاملة . فئة دعاء – زيارات .
    164 – السيد محمد حسين فضل الله . الزهراء القدوة . إعداد وتنسيق / الشيخ حسين أحمد الخشن . بيروت 2000 . دار الملاك . ص 109 .
    165 – م . س . ص 41، 42 .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    أشرب نخبك أيتها الأشياء الجميلة في العالم .. أنا الأكثر زوالاً والأكثر إيماناً والأكثر خوفاً .. الذي يخشى الموت أكثر منكن جميعاً

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
منتدى منار هو منتدى أمريكي يشارك فيه عرب وعجم من كل مكان