شكوك في صحة خبر التخطيط لاغتيال نصرالله

الموقفون "فكروا" ولم يفعلوا شيئاً وكلام كثير على "تضخيم"

GMT 15:30:00 2006 الأربعاء 12 أبريل


إيلي الحاج من بيروت


لم يصدق المطلعون على قدرات جهاز أمن "حزب الله" في الضاحية الجنوبية والتدابير التي يتخذها، تحديداً في حارة حريك حيث أمانته العامة ومقر إقامة السيد حسن نصرالله، أن مجموعة ضئيلة الإمكانات من "أهل الدعوة والتبليغ" في محلة الطريق الجديدة في بيروت يمكنها التخطيط فعلاً لاغتيال الأمين العام ل "حزب الله". وعزز شكوكها هذه تصريح للقاضي جان فهد الذي طلب توقيفهم مفاده أن هذه القضية "جرى تضخيمها".

كذلك فعل وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت الذي دعا الى انتظار نتائج التحقيقات القضائية و"عدم الانجرار وراء الإشاعات"، موضحاً في حديث إذاعي أن "مخابرات الجيش هي التي أوقفت هذه المجموعة. والمعلومات التي وصلتني من مخابرات الجيش ان ما نشر في الاعلام تم تضخيمه. الموضوع جدي، لكنه لم يصل الى هذه الدرجة من الخطورة".

أما رئيس الحكومة فؤاد السنيورة فاكتفى بالقول عندما سئل عن كلام فتفت إنه لا يتبنى وجهة نظر هذا الفريق او ذاك و"نحن نستطلع جميع المعطيات. وهذا الموضوع يخضع للتحقيق للإحاطة بكل جوانبه"، ودعا الى "عدم الاستعجال". لكنه أكد أي عمل تآمري مرفوض في أي شكل ومن أي جهة أتى، وبالتالي يجب ان يضرب بيد من حديد " . ودعا إلى الهدوء.

وراوحت أجواء المراسلين الصحافيين الذين نقلوا خبر توقيف المجموعة من قصر العدل بين القول بأن "لاخلفيات سياسية لهم، على ما يبدو". في حين نقل آخرون عن "مصادر التحقيق" ان افراد الشبكة التسعة الذين أوقفوا من أصل 14 عزوا اقتناءهم السلاح الى "التحسب من حصول حوادث امنية معينة" كالتي تحصل في العراق ، وانهم "فكروا" في حال حصول مثل هذه الاحداث في لبنان باللجوء الى اغتيال شخصيات سياسية، بينها السيد حسن نصرالله. لكنهم لم يصلوا إلى مرحلة التخطيط لشيء عملياً.

ولفتت المعلومات "شبه الرسمية" الى ان عناصر الشبكة الذين لم يتبين ارتباطهم بجبهة خارجية هم من "انتاج محلي"، لكنهم تأثروا بالمناخات السائدة في بعض أنحاء المنطقة كما ان تدريبهم عادي. ولم يكن باستطاعة الشبكة ان تنفذ أي عملية انتحارية ضد موكب السيد نصرالله وتبين من مراقبتها انها لم تكن تتمتع بالخبرة الكافية حتى في أعمال التنظيم، اذ كان من السهولة بمكان كشف الشبكة بمعظم أفرادها، وربما توارى بعضهم عن الأنظار وتسللوا الى أحد المخيمات القريبة".

واضافت "مصادر التحقيق" نفسها ان احد المدعى عليهم في الملف "كلف قريبا له مدعى عليه ايضاً، ان يراقب خلال تجوله في سيارة أجرة يملكها، السيد نصرالله في الضاحية الجنوبية". وقد باشر بالفعل مهمته، الا انه اعتذر بعد يومين عن عدم متابعتها نظراً الى "صعوبة الأمر". وعلى هذا الحد اقتصر عمل المجموعة، بحسب المصادر الرسمية نفسها التي رفضت الافصاح عن انتماء افراد الشبكة الى تجمع ديني معين. واستغربت هي أيضاً "تضخيم الامور وتحديد زمان معين للقيام بعملية".

لكن المطلعين على الإجراءات الأمنية التي يتخذها "حزب الله" لحماية قادته في الضاحية يسخرون من هذه الروايات ، ويوضحون أن أمن الحزب يحصي كل الناس والتحركات في منطقة نفوذه أو عرينه، أو "مربعه الأمني" كما يذهب بعضهم إلى وصفه. وبالتعاون مع السكان يبقى حتى العابر تحت المراقبة. فالقول تالياً أن سائق سيارة أجرة كلف مراقبة السيد نصرالله في الضاحية الجنوبية هو كلام أقل فيه إنه مضحك، لكأن السيد نصرالله يتجوّل كأي مواطن عادي هناك . ويذكر هؤلاء بأن عملية بحجم اغتيال الأمين العام للحزب تحتاج إلى قدرات توازي إن لم تكن تفوق القدرات التي كانت بتصرف قتلة رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، وليس مسدسات وبعض رشاشات وقاذفات صواريخ في الطريق الجديدة، على ما تردد في الحديث عن "الشبكة" التي اكتشفت.

ويضيف هؤلاء أن حتى الإمكانات التقنية لا تكفي، إذ تحتاج عملية من هذا النوع إلى "اختراق" في أمن السيد نصرالله، باعتبار أن مواكب عدة تخرج من مقره تمويها لدى توجهه إلى جلسات الحوار الوطني في مبنى البرلمان. وإذا افترضنا أن أحدها مر بالطريق الجديدة ، فبأي وسيلة تتأكد الشبكة أن نصرالله هو في عداد الموكب ، وأنه في سيارة محددة فيه لتقترب "الرواية" من احتمال الصحة والصدقية؟

ويذكّرون بأن اغتيال الأمين العام السابق للحزب السيد حسين الموسوي خلال مرحلة الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب ما كان ليتحقق لولا خرق أمني في صفوف مواكبته، أتاح زرع جهاز في السيارة التي كان يستقلها، فأرشد مروحية عسكرية إليها بأشعة ليزر فقصفت السيارة بصاروخ أتى عليها. ولا تنطبق هذه الحال إطلاقاً مع ما يجري الحديث عنه حالياً.

"أهل الدعوة والتبليغ"
ويقول خبير في شؤون التنظيمات الإسلامية في لبنان إن جماعة "أهل الدعوة والتبليغ" محض دينية لم يسجل لها أي نشاط سياسي أو استفزازي إطلاقاً في السابق، وتبين بعد البحث في شأنهم أنهم مسالمون، يميلون إلى الزهد والتصوف، لكنهم لا يسلكون مسلك الجماعات الصوفية ، ويعتمدون خطاباً بسيطاً يركزعلى الصلاة وأمور ما بعد الموت ولا يتناول مسائل سياسية أو معقدة إطلاقاً.

وكانت سادت ضجة في بعض مساجد منطقة الطريق الجديدة في بيروت في النصف الثاني من شهر آذار/مارس الماضي مع تكاثر الأخبار فيها عن استدعاءات وتوقيفات لبعض "أهل الدعوة والتبليغ"، وهي جماعة أسسها أحد أغنياء المسلمين في عقد الخمسينات من القرن الماضي، وانتشرت في بلدان كثيرة في الشرق والغرب ، وثمة عشرات الأفراد من المنضوين إليها في لبنان يلبسون "اللباس الشرعي" أي القميص الأبيض الطويل إلى ما تحت الركبة، والسروال الواسع إلى ما فوقها ، ويدعون الناس برفق إلى الصلاة ويعتكف كل منهم 40 يوماً في المسجد سنوياً، ومرة في العمر 4 أشهر.

ويلاحظ أن سياسيين لبنانيين أقلقهم تضخيم قضية كشف ما سمي "شبكة إرهابية" كانت "تفكر" باغتيال الأمين العام ل"حزب الله " ، وتساور بعض أركان الأكثرية الحكومية والنيابية المناهضة لسورية أن يكون وراء الأكمة ما وراءها، وهم يتساءلون كيف تكتشف الأجهزة الأمنية اللبنانية بالتعاون مع جهاز أم "حزب الله" شبكة "فكرت" في تنفيذ عملية اغتيال، في حين تعجز عن كشف جرائم اغتيال ومحاولات اغتيال فعلية ولم تقبض على أي متهم فيها؟
ويتذكر هؤلاء السياسيون تحديداً انفجاراً غامضاً وقع ليلاً في مدينة بعلبك وقيل أنه كان يستهدف اغتيال أحد قادة "حزب الله"، ثم اغتيل بعد ذلك بأيام قليلة النائب والصحافي جبران تويني. فهل يكون لبنان اليوم أمام احتمالات مشابهة؟